الأغلبية المطلقة شرط للنظر في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية

بقلم الدكتور سلام مكي
رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور. هذا ما نصت عليه أحكام المادة 67 من الدستور. إذا: رئيس جمهورية العراق، يمثل سيادة البلد واستقلالها ووحدة أراضيه.
وهو رئيس لجميع العراقيين، من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال، لا فرق بين هذه القومية أو تلك. لكن: ماذا لو تم تجاهل هذه المادة؟ ماذا لو لم يلتزم رئيس الجمهورية بوحدة البلاد، ولم يسهر على ضمان الالتزام بالدستور؟ وهو كإنسان ومواطن، معرض للخطأ وتجاوز القانون، بسبب طبيعة عمله، فكيف عالج المشرع العراقي موضوع الفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية؟ الدستور العراقي في المادة 93 فقرة سادسا، نصت على أن المحكمة الاتحادية هي المختصة بالفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون! نستشف من هذا النص الدستوري، أن هنالك اختصاصات جزائية، إضافة للمدنية، تتولاها المحكمة الاتحادية العليا، وإلا فإن مفهوم الاتهام لا يقصد به الجانب المدني المتعلق بالتعاملات المالية للأشخاص.
ولكن هذا الاختصاص، رغم مرور عقدين على تشريعه، لازال معطلا، والسبب أنه اشترط للعمل به، وجود قانون خاص، ينظم اختصاص المحكمة الاتحادية العليا الخاص بالنظر في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء. مجلس النواب العراقي، لم يتمكن منذ أول جلسة لأول برلمان بعد سقوط النظام وهو الجمعية الوطنية، ولغاية عام 2022 من سن قانون يعالج هذا الجانب المهم والحيوي، ليس من أجل رئيس الجمهورية وإكمال جميع المتطلبات القانونية لوجوده كيان دستوري وكجزء من السلطة التنفيذية العراقية، بل من أجل مقتضيات العدالة، ومساواة الجميع في الخضوع للقانون، مع خصوصية الأفراد وانتماءاتهم الحكومية والادارية، فالوزير، معرض للخطأ، وقد تحدث أثناء تولي الوزير مخالفات مالية، تستدعي التحقيق مع الجميع، ابتداءً بالوزير، والى أصغر موظف مساهم في المخالفة، لكن عدم وجود قانون ينظم الاختصاص الجزائي للمحكمة الاتحادية، يعطل الجهد الرقابي، ويمنع القضاء من محاسبة المتورطين أو حتى التحقيق معهم. لذلك، إن عدم سماعنا أن وزيرا في الخدمة تمت محاسبته، ليس بسبب حصانته السياسية وطبيعة النظام المحاصصاتي الذي يحصن عناصره من المساءلة القانونية، بل لأن الدستور أصلا يمنع محاسبتهم إلا بناءً على قانون! وهذا القانون لم يشرع لحد الآن ولن يشرع! ولكن بالعودة الى النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، رقم 1 لسنة 2022 نجد أن المادة 27 تنص: تفصل المحكمة الاتحادية في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية المرسلة من مجلس النواب المصادق عليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه في الحالات المنصوص عليها في المادة 61/سادسا/ ب من الدستور العراقي الدائم وبالعودة الى تلك الفقرة نجد أنها تتعلق بالحنث باليمين وانتهاك الدستور والخيانة العظمى!! نعم فالمحكمة الاتحادية، يمكنها أن تنظر في مسألة قيام رئيس الجمهورية بانتهاك الدستور والخيانة العظمى والحنث باليمين!! لكن المشكلة لا يمكنها القيام بذلك إلا بعد أن يصادق مجلس النواب على تلك الاتهامات عبر التصويت بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه! أي يجب أن يتفق 220 نائب على أن رئيس الجمهورية حنث بيمينه وخان البلد وانتهك الدستور، وإلا فأي فعل يقوم به رئيس الجمهورية لا يمكن لأحد المساس به!!