لا تتعجبوا.. دول عربية لم تهنئ الشرع وبغداد لديها مقاربة (تحليل لقاء مكي)

خاص|
أكد الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، أن موقف العراق بعدم تهنئة القيادة السورية الجديدة لا يُعد استثناءً كليًا، بل ينسجم مع مواقف دول عربية أخرى لم تقدم التهنئة، مثل تونس والجزائر، في حين كانت مصر آخر الدول التي باركت التغيير، وهو ما عكس تحسنًا في العلاقات بين القاهرة ودمشق.
وقال مكي في تصريح لـ”منصة جريدة” إن “العراق جزء من مجموعة محدودة من الدول العربية التي لا تزال غير منسجمة مع الوضع الجديد في سوريا”، موضحًا أن “هذا الموقف يعكس قلقًا وخشية لدى جزء من العراق، تحديدًا القوى التي تملك السلطة، تجاه ما جرى وما يجري في سوريا، وهو قلق يتزايد مع مرور الوقت رغم رسائل التطمين التي أرسلتها القيادة السورية الجديدة إلى مختلف الأطراف بأنها لا تستهدف أحدًا ولا تسعى لحروب أو مشاكل”.
وأضاف أن “القلق الحقيقي لا يرتبط فقط بمجاملات لإيران، بل ينبع من مخاوف لدى المنظومة الشيعية في السلطة، وتحديدًا القوى السياسية الشيعية والفصائل الولائية، بشأن طبيعة النظام الجديد في سوريا”، مشيرًا إلى أن “المسألة تحمل بعدًا طائفيًا، حيث يخشى البعض من هوية الحكم الجديد ذات الطابع الإسلامي السني، رغم أنه يقدم نفسه كإسلام معتدل، لكن هناك خشية من أن يكون هذا الاعتدال مجرد مرحلة مؤقتة قد تتغير لاحقًا”.
وأشار إلى أن “التغيير الحاصل في سوريا يثير مخاوف إضافية حتى لو بقيت دمشق محايدة ولم تتدخل في الشأن العراقي، حيث يمكن أن يؤدي هذا التطور إلى منح القوة للتيارات السنية داخل العراق، وهو ما يشكل مصدر قلق لبعض الأطراف السياسية العراقية”، لافتًا إلى أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني صرح خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا بأن هناك اتصالات يومية مع الإدارة السورية الجديدة، خصوصًا في الجوانب الأمنية ومكافحة الإرهاب، وهو ما يفرض ضرورة وجود تنسيق واضح بين الطرفين”.
وأوضح مكي أن “وجود تنسيق أمني يومي بين العراق والإدارة الجديدة في سوريا يستوجب أن ينعكس على البروتوكول السياسي أيضًا، إذ أن وجود هذه الثقة المتبادلة في الجانب الأمني يطرح تساؤلًا حول عدم ترجمتها إلى خطوات سياسية واضحة”، مشيرًا إلى أن “العراق، من خلال إرسال مبعوثين كبار مثل رئيس المخابرات، واتصالات وزير الخارجية، بالإضافة إلى مشاركة الأخير في اجتماع الرياض حول سوريا ولقائه بنظيره السوري فيصل المقداد، قد أبدى اعترافًا ضمنيًا بالنظام الجديد، مما يجعل عدم استكمال هذا الاعتراف بروتوكوليًا أمرًا غير مفهوم”.
وأضاف أن “هناك خللًا في إدراك اللحظة السياسية لدى السلطة العراقية، حيث لا يوجد اتفاق على مستوى القيادة العليا، خاصة داخل قوى الإطار التنسيقي، التي تمثل الحاكم الفعلي في العراق”، موضحًا أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حتى وإن أراد اتخاذ خطوات سياسية تجاه دمشق، فإنه يواجه معارضة داخلية من قوى داخل الإطار التنسيقي ترفض بشدة أي تطبيع للعلاقات مع النظام الجديد في سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى إشكالات داخلية بالنسبة له، لذا قد يفضل الانتظار لحين استقرار الأوضاع، بحيث تصبح التهنئة أو عدمها أمرًا بلا تأثير يذكر”.
وأشار إلى أن “القيادة الجديدة في سوريا حظيت باعتراف دول الخليج، ومصر، والغرب، وهناك اعتراف شبه دولي كامل بها، ورغم ذلك فإن هناك انقسامًا داخل الإطار التنسيقي حول كيفية التعامل معها”، مبينًا أن “جزءًا من هذا التردد يعود إلى محاولة مراعاة الموقف الإيراني، لكن هناك أيضًا شعورًا بالحنق داخل القوى السياسية الشيعية مما جرى في سوريا، وهو شعور لم يتم تجاوزه حتى الآن رغم مرور شهرين على سقوط نظام الأسد”.
وختم مكي بالقول إن “هذا الحنق قد يتحول تدريجيًا إلى قلق، وربما إلى عداء مستحكم، ما قد يؤدي في المستقبل إلى تصعيد أمني بين العراق وسوريا، وهو احتمال لا يمكن استبعاده”.