العراق 2036 : 60% من السكان بلا ماء

مركز العرب للرصد والتحليل
مقدمة
يواجه العراق أزمة مائية غير مسبوقة تهدد مستقبل البلاد، حيث تشير تقديرات معهد الموارد العالمية إلى أن العراق قد يعاني جفافًا شبه كامل بحلول عام 2040. ومع استمرار التراجع الحاد في مستويات المياه، تُظهر التوقعات أن 60% من العراقيين سيعانون من نقص المياه بحلول عام 2036، ما يهدد الأمن الغذائي، والاستقرار الاقتصادي، وحتى التركيبة السكانية للبلاد. هذه الورقة البحثية تستعرض أسباب هذه الكارثة المحتملة، تداعياتها، وأبرز الحلول التي يمكن اتخاذها لتفادي هذا المصير الكارثي.
أولًا: الأسباب الرئيسية للجفاف في العراق
1.انخفاض مستويات المياه في نهري دجلة والفرات
•تعتمد العراق بشكل رئيسي على مياه دجلة والفرات، لكن بناء السدود العملاقة في كل من تركيا وإيران أدى إلى انخفاض تدفق المياه بنسبة 50% على الأقل خلال العقود الأخيرة.
•مشروع سد إليسو في تركيا وسدود إيران على روافد دجلة سببت في تناقص حاد في المياه المتدفقة إلى العراق.
2.التغير المناخي
•ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التبخر أثرت بشكل سلبي على مصادر المياه السطحية والجوفية.
•تصاعد العواصف الترابية والتصحر يؤديان إلى زيادة فقدان الأراضي الزراعية وانخفاض معدلات هطول الأمطار.
3.سوء إدارة الموارد المائية
•استمرار الهدر المائي في الزراعة والري التقليدي يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه.
•عدم تطوير شبكات توزيع المياه، مما يزيد من التسرب والتلوث.
•تزايد السحب الجائر من المياه الجوفية دون تعويضها، ما يهدد باستنزافها خلال سنوات قليلة.
4.النمو السكاني والضغط على الموارد
•من المتوقع أن يصل عدد سكان العراق إلى 50 مليون نسمة بحلول 2036، مما يزيد الطلب على المياه بنسبة لا تتناسب مع القدرة الحالية على التوفير.
•التوسع الحضري العشوائي والزيادة في الاستهلاك المنزلي للمياه تزيد من تفاقم الأزمة.
ثانيًا: التداعيات الكارثية للجفاف
1. الأمن الغذائي تحت التهديد
•العراق يستورد بالفعل 70% من غذائه بسبب ضعف الإنتاج الزراعي، ومع تفاقم أزمة المياه، سيزداد الاعتماد على الاستيراد، ما يرفع الأسعار ويهدد الفئات الفقيرة بالجوع.
•انهيار الإنتاج المحلي للقمح والشعير، وهجرة الفلاحين من الأراضي الزراعية إلى المدن.
2. ارتفاع معدلات النزوح الداخلي
•قد يضطر الملايين إلى مغادرة مدنهم وقراهم بحثًا عن مصادر المياه، ما يزيد من حجم العشوائيات ويؤثر على الاستقرار الاجتماعي.
•مناطق مثل البصرة وذي قار ستشهد هجرات جماعية، ما يؤدي إلى ضغط على المدن الكبرى مثل بغداد.
3. انتشار الأمراض والتلوث البيئي
•انخفاض مستوى المياه يعني زيادة تركيز الملوثات في الأنهار، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتيفوئيد.
•ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب يؤثر على صحة السكان والزراعة.
4. توترات إقليمية وصراعات على الموارد
•إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقيات دولية ملزمة، فقد تتصاعد التوترات بين العراق وتركيا وإيران، مما قد يؤدي إلى أزمات دبلوماسية أو حتى مواجهات سياسية واقتصادية.
ثالثًا: الحلول الممكنة لمواجهة الكارثة
1.خطة طوارئ وطنية لترشيد المياه
•تحديث شبكات المياه لتقليل التسربات والفاقد.
•فرض سياسات تقنين صارمة تمنع الهدر في الاستخدامات الزراعية والصناعية.
•استحداث تقنيات جديدة مثل الري بالتنقيط لتحسين كفاءة استهلاك المياه في الزراعة.
2.الاستثمار في تحلية مياه البحر
•تطوير مشاريع تحلية مياه الخليج العربي كحل بديل لمواجهة النقص المستقبلي.
•إنشاء محطات تحلية بالتعاون مع الشركات العالمية والاستفادة من الطاقات المتجددة في تشغيلها.
3.الضغط الدبلوماسي على تركيا وإيران
•مطالبة المجتمع الدولي بفرض ضغوط سياسية واقتصادية على تركيا وإيران لضمان حقوق العراق المائية وفق اتفاقية الأمم المتحدة للمياه العابرة للحدود.
•توقيع اتفاقيات ملزمة تضمن تدفقًا عادلًا للمياه.
4.إعادة تأهيل الأهوار العراقية
•إعادة تأهيل المناطق الرطبة لحفظ التنوع البيئي وزيادة القدرة على تخزين المياه.
•دعم سكان الأهوار للحفاظ على مصادر المياه وحمايتها من الجفاف.
5.تشجيع الابتكار والبحث العلمي
•دعم الجامعات والمراكز البحثية لإيجاد تقنيات جديدة لتحلية المياه وتنقيتها.
•تشجيع ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا المائية.
خاتمة: إنقاذ العراق ليس خيارًا، بل ضرورة!
إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وجادة، فإن العراق سيواجه جفافًا حتميًا في العقود المقبلة، مما يهدد بقاء شعبه واستقراره. يجب أن يكون “إنقاذ مياه العراق” قضية وطنية تتجاوز الخلافات السياسية، وتتحول إلى مشروع استراتيجي مدعوم من كل الجهات، بدءًا من الحكومة، مرورًا بالقطاع الخاص، وانتهاءً بالمواطنين العاديين.
الوقت ليس في صالحنا، والتحرك الفوري هو الحل الوحيد!