بزشگيان يلتسن إيران

بقليم/ حسيني الاطرقجي – باحث في الشأن الأمني
الحرب الدائرة داخل اسوار الشرق الاوسط هي حرب ما بين الذكاء الاصطناعي والغباء الطبيعي تنتصر بها التكنولوجيا على الايدولوجيا.. مقاربةً وليس قياساً، قد يكون بزشگيان هو الرئيس المرحلي الانتقالي بين نظامين، نظام الثورة الاسلامية في إيران ونظام جمهورية إيران المنكفئ على نفسه داخل حدوده الجغرافية المتأثر بالعوامل والارتدادات في ألمنطقة، وإن خيار إسقاط النظام بعد العام 2006 كان خيارا اسرائيليا لكن البيت الابيض ومن خلفه الادارة الاستراتيجية “عرابو السياسة الخارجية” كانت ترى في ذلك مخاطر وعلى رأسها أن الفوضى في المنطقة ستكون أكبر من القدرة على احتوائها قياسا بالقوميات الانفصالية في الداخل الايراني وهشاشة الوضع الاقليمي وتوزيع القوى الجغرافي منها روسيا وتركيا، لذا فإن فرضية تطويع السياسة الايرانية افضل من إسقاطها، ولعل السياسي الراحل هاشمي رفسنجاني كان من أعمق من قرأ المشهد وطالب بتقييد إيران الثورة واطلاق اليد لايران الدولة، ذات الموقف بعد سنوات تحديدا في العام 2024 وبوتيرة مشابهة طرحه احدي مساعدي الرئيس الاسبق احمدي نجاد بتصريح لافت حين قال: “يجب عودة نجاد الى السلطة ليكون يلتسن الجمهورية الاسلامية”.
يرى منظرو السياسة الخارجية الامريكية وابرزهم بريجينسكي ان وجود إيران الثورة وإمتداداتها في المنطقة افضل استثمار للغرب في الشرق تحت رؤيتهم الخاصة “الاستثمار في العدو” أو “العداوة الباردة”، خاصة بعد احداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بعد نصوج رؤية بريجينسكي بضرورة توازن قوى الاسلام السياسي في الشرق الاوسط على وجه الخصوص لايجاد أوراق ضغط على المتضادين وخلق دوامة بينهما لتكن إسرائيل بمعزل عن الصراع، وربما يرجح ذلك وقوف الغرب من وراء اصدار الموافقات لاسرائيل بإغتيال ابرز رجلين في المحور (عماد مغنية) الدرع الامني لحزب الله اللبناني والعملية الامريكية المباشرة بإغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللذان اخلا بالتوازن لصالح محور المقاومة والاسلام السياسي الشيعي، ومن اجل خلق هذا التوازن ابدت واشنطن سابقا عدم إكتراث قبالة إغتيال (رفيق الحريري) عام 2005 كونه بحسب مختصين في مشهد توازن القوى كان يمثل الجدار الصلب وحجر العثرة أمام مشروع توازن القوى الجهادية في الشرق الاوسط، مضافا اليها موقف واشنطن اللين المتساهل تجاه المحور أو الهلال الشيعي طيلة فترة رئاسة الديموقراطي باراك اوباما.
ما يؤيد هذا الافتراض أن مايك بومبيو وزير الخارجية الامريكي الاسبق قد عرض في العام 2018 لائحة إلتزامات على الجمهورية الاسلامية من 12 بندا كانت اشبه ما تكون بالتعجيزية ليس فقط وفق رأي الايرانيين بل وحتى رأي الداخل الامريكي لها، أما اللافت في هذا الامر فان الادارة الامريكية او اسرائيل “الدولة الوظيفية” للسياسة الخارجية الامريكية مارست ادوار القوة في سبيل ترجمة هذا اللائحة بلغة الافعال على ارض الواقع، أما الدور الامريكي فقد ظهر جليا برعاية مؤتمرات المعارضة الايرانية سواءً ( منظمة مجاهدي خلق، أو الحركة الملكية لرضا محمد رضا بهلوي) بتسلسل زمني متتالٍ، ما جعل ارباب النظام يتحسسون جديّة المتغيرات السياسية الامريكية تجاه نظام الحكم في الجمهورية الاسلامية، وبالعودة للبنود الاثني عشر فقد حققت الادارة الامريكية عدة انتصارات منها ؛ الانسحاب من افغانستان واحاطة الجنوب الايراني بجغرافيا متوترة، وتفكيك محور الثورة الجهادي في لبنان وسوريا ومؤخرا غزة، الأمر الذي استدعى ايران الدولة بإعادة النظر وسط خلافات متصاعدة في الداخل تجيد الجمهورية الاسلامية حصرها بين جدران السلطة والتعتيم عليها، وأول بوادر هذه الانفراجة – بحسب مطّلعين – هي التخفيف عن حظر مواقع التواصل واعادة قراءة التشريعات المتشددة تجاه الحريات، وتغليب خطاب السياسة الخارجية المنفتح ومنها خطاب برشگيان لاميركا وخطاب ظريف لاسرائيل وكان الخطابان يشيان بعلاقات وديّة ضمن أطر الاحتواء والتقارب، ولا بد من الالتفات الى نقطة مفصلية هي التزام ايران بقواعد الاشباك في عمليات الوعد الصادق الاولى والثانية، ختاما بالمناورات الايرانية العسكرية التي حملت الطابع الدفاعي للمنشآت العسكرية والنووية.
سبقت هذه المرحلة إنفتاح في العلاقات الايرانية تجاه دول المنطقة خاصة مع مصر والبحرين وتحديدا البحرين الدولة ذات الخصومة الحادة تجاه سياسات إيران، وحراكات تجاه دول الاتحاد الاوروبي في خطوة من الممكن قراءتها على انها محاولة إستباقية لكسر فكرة العزلة الدولية على الجمهورية الاسلامية التي ترى فيه طهران سيناريو على المكتب البيضوي للبيت الابيض ضمن سياسة ترمب تجاهها، وهي بذات الوقت تراهن على عاملين؛ الاول ألورقة الاقوى ضغطا للتفاوض متمثلة بملف الحوثيين ومن ثم عامل الوقت او سياسة “حافة الهاوية” التي تجيدها طهران متمثلة بالثبات حتى اللحظات الاخيرة ما قبل العاصفة، وفي حال وصلت العاصفة لحدودها الرسمية فهي تجيد ايضا التعامل معها من خلال سياسة “الانحناء الثابت أمام العاصفة”، وبالصدد ذاته غمزت اسرائيل الى امكانية تشكيل ناتو عربي امريكي اسرائيلي على غرار تحالف حارس الازدهار لتفكيك الترسانة العسكرية للحوثيين لتطويع الملف الايراني وتليينه قبالة المفاوضات المزمع انعقادها.
التمدد الكبير لروسيا ضمن ما عُرف وقتها بالاتحاد السوفيتي (تفكك عام 1991) شكل عبئا على قدرات روسيا (اقتصاديا وعسكريا وحتى سياسيا) وفتت صلابتها الداخلية وشتت قرارها وخلق طبقة من أمراء الحرب الامر الذي ادى الى التداعي والانهيار ، لتخضع الادارة السوفيتية الى ولادة عسيرة أنتجت روسيا الاتحادية، قد ينطبق ذات الامر على التمدد الايراني ضمن محور المقاومة وإضعاف الداخل الايراني لكثرة الملفات الشائكة وتداعياتها فضلا عن تبديد طهران بقدارتها القصوى على المحيط الاقليمي وانشغالها عن الداخل الذي يشكل التهديد الاكبر وهو ما تعانيه حاليا ما شكل ورقة ضغط قوية على الداخل، لذلك لجأت ايران الى عقد اتفاقية استراتيجية مع روسيا من ابرز بنودها الدعم المشترك والوقوف على الحياد على اقل تقدير في حال تعرضت احدى الدولتين الى قرار دولي بالحرب او توجيه ضربات عسكرية موضعية ما يترجم خشية ايرانية تترقب فيها سيناريوهات خانقة.. وبالحديث عن (يلتسن) رئيس روسيا الاتحادية (منذ العام 1991) خلفا لغرباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي، فأنه يمثل رمزية للمرحلة الانتقالية الروسية “حالة التفكك”من السوفيتية الى الاتحادية.