البرلمان العراقي.. بين تدخلات خارجية ومعرقلات داخلية

بقلم.. سلام مكي

في كل دول العالم، توجد سلطة وطنية مختصة بتشريع القوانين، تسمى مجلس النواب، أو غيرها من التسميات التي تعتمدها الدول. تلك السلطة، يتم انتخابها من قبل الشعب مباشرة، تقوم نيابة عن ذلك الشعب، بممارسة السلطة، بكل صورها، ومنها تشريع القوانين، حيث أن تشريع أي قانون، لكي يكتسب المشروعية، يجب أن يكون صادرا باسم الشعب. وصدوره بتلك الطريقة، يفترض أن يتم من قبل سلطة ينتخبها الشعب مباشرة عن الاقتراع السري.

لدينا في العراق، مجلس النواب، يمارس هذا الدور الذي يفترض أن يكون شأنا داخليا صرفا. فالتأثيرات والظروف التي ترافق عملية سن القوانين وتشريعها، يجب أن تكون ذات طابع وطني بحت، إضافة الى أن الدستور جعل من عملية التشريع، أمرا يخص مجلس النواب وحده، رغم أن الدستور نفسه، سمح للسلطة التنفيذية أن تتولى إعداد مشروعات القوانين، وتقديمها لمجلس النواب لغرض تشريعها.

لكن ما لاحظناه مؤخرا، تدخلا دوليا في عمل مجلس النواب، لاحظنا ضغوطات وتهديدات مورست من قبل دول ومنظمات دولية، تجاه العراق، تتعلق بمشروعات قوانين، يعتزم مجلس النواب إقرارها. لنأخذ مثلا قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 111 لسنة 1959 المعدل، عندما عزم مجلس النواب، تعديله، شاهدنا منظمات تعترض، ودول تهدد، بأن تعديل هذا القانون، سوف يعرض العراق لمخاطر جمّة! ولا نعلم، من الذي أباح للقوى الخارجية، التدخل السافر هذا في الشأن العراقي! لسنا مع التعديل ولا ضده، لكننا نتحدث من منطلق قانوني ودستوري. الأكثر فداحة من هذا، مباركة الكثير من المنظمات التي تصدر نفسها على أنها تدافع عن حقوق المرأة، وتدعو لسيادة المجتمع المدني، وهي بنفس القوت تبارك التدخلات الخارجية في الشأن العراقي.

الحشد الشعبي، رغم أنه هيأة رسمية، مشكلة وفقا للقانون، لكن في الفترة الأخيرة، تشير الأخبار والتقارير الصحفية، والتحليلات الأمنية الى وجود ضغط دولي كبير على العراق، لغرض حل هذه الهيأة. فلو قررت الدولة العراقية، حل هيأة الحشد الشعبي، فإن ذلك يفترض أن يكون وفقا لقانون صادر من مجلس النواب، ينص على حلها، وتقرير مصير منتسبيها وأفرادها. وكذلك ثمة من يصفق ويطبل لذلك التدخل! فهل توجد أي دولة في العالم، لها سيادة واستقلال، تحترم نفسها، تسمح للقوى الخارجية بأن تملي عليها إلغاء قوانين وتشريع قوانين؟ كيف يسمح البرلمان لجهات أجنبية بأن تملي عليه ما يريد ويفعل؟

من جانب آخر، نجد أن تشريع القوانين، تحول الى مأزق حقيقي، لأن المحاصصة وجدت طريقها وبشكل قوي وكبير، داخل المجلس، حيث برزت في الآونة الأخيرة، أعراف تتمثل بتقاسم القوانين بين الطوائف. العفو العام للسنة. العقارات للكرد، الأحوال الشخصية للشيعة! فلا تصويت لهذا القانون، إلا بعد التصويت للقانون الآخر! بل وكصورة من صور انعدام الثقة بين الكتل السياسية، تم بشكل غير مسبوق، التصويت على القوانين الثلاثة، بشكل جماعي، مادة للقانون السني ومادة للقانون الشيعي ومادة للقانون الكردي، وفي نفس الجلسة! ونظرا لاستحالة الوقوف على رأي واحد بين تلك الطوائف، لم يصوت على أي من القوانين الثلاثة! ولن يصوت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار