تقرير: السوداني يندفع نحو المحيط العربي للحصول على ضمانات “أمنية ودعم”

متابعات|..
سلط تقرير لصحيفة “العالم الجديد”، الضوء على تحركات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نحو المحيط العربي، فيما أكد مراقبون أن التوجه كان بهدف الحصول على ضمانات “أمنية ودعم”، لضمان عدم تأثر العراق بمجريات الأحداث في سوريا.
وبحسب تقرير الصحفية الذي تابعته “جريدة” فإن هذا التوجه يبقى مرهونا بموقف داخلي حاسم وهو تسوية ملف الفصائل المسلحة، فيما شدد المراقبون على ضرورة أن ترافق تلك التحركات الدبلوماسية تطمينات واضحة.
وفيما يلي نص التقرير:
باتت “المخاوف” الأمنية هي الدفاع الأول لتحركات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، نحو “المحيط العربي”، في خطوة لضمان عدم تأثر العراق بمجريات الأحداث في سوريا، لكن تلك التحركات، خضعت لتشريح دقيق من قبل مراقبين، لتظهر جوانب عدة غير معلنة، أولها سرعة التوجه للدول العربية بعد “انحسار” واضح لـ”المحور الإيراني” الذي كان يربط العراق بشكل أو آخر.
ووفقا للمراقبين، فإن العراق اتجه للدول القريبة من الولايات المتحدة، بهدف الحصول على ضمانات “أمنية ودعم”، لكن هذا التوجه يبقى مرهونا بموقف داخلي حاسم وهو تسوية ملف الفصائل المسلحة، مشددين على ضرورة أن ترافق تلك التحركات الدبلوماسية تطمينات واضحة.
وتوجه يوم أمس الأربعاء، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى المملكة العربية السعودية، والتقى في مدينة العلا ولي العهد محمد بن سلمان، وبحثا بحسب بيان حكومي، آخر تطورات الأوضاع في المنطقة وأهمية الاتفاق على التنسيق المشترك بشأن تداعيات الأحداث في سوريا.
وإذ أكد السوداني، بحسب البيان، حرص العراق على وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري واحترام الإرادة الحرة للسوريين، واستعداد العراق للتعاون مع الأشقاء والأصدقاء في المنطقة من أجل إرساء الأمن والاستقرار وإبعاد المنطقة عن خطر الصراعات والحروب، تطرق الجانبان لوضع غزة، وأكدا على أهمية تكثيف الجهود الدولية من أجل إيقاف فوري للحرب ومضاعفة الجهود الإغاثية لتخفيف معاناة الأهالي في غزّة.
وفي هذا الشأن، يقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، للصحيفة إن “زيارات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى الأردن والسعودية تندرج في خانة الاقتراب العراقي من المحيط العربي، خصوصا مع وجود ملفات تسوية في غزة وسقوط نظام الأسد في سوريا”.
ويضيف الشمري، أن “ما يجري في المنطقة يمثل ملفا عربيا ضابطا، لأن سوريا مجاورة للعراق والأردن، لذلك فالتنسيق بالنسبة للبلدين يعتبر مهما لتوحيد الموقف وتبادل المعلومات الاستخبارية”، معتبرا لقاء السوداني بولي العهد محمد بن سلمان، بأنه “جاء من المعرفة بما تمثله السعودية من ارتكاز عربي دبلوماسي وسياسي بحكم علاقاتها الدولية، وهي الأولى بمنظومة الدول العربية قاطبة، وتمتلك الكثير من مفاتيح الحلول، خاصة وأن المنظومة الغربية دائما ما تمر مقارباتها عبر الرياض”.
ويتابع، أن “ذهاب العراق بالاتجاه العربي هو اتجاه صحيح في ظل أوضاع المنطقة، وهو جزء من محاولات الابتعاد أو الميول للرأي الإيراني بما يخص الملفات العربية الحساسة”، مبينا أن “السعودية والأردن هي الدول المعنية بشكل أكبر في كل ما يجري من تغيرات”.
ويوضح أن “العراق لم يكن له أي دور بالوضع في غزة، بل كان يشرف على الهدنة معها كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، وأما لبنان فقد كانت الولايات المتحدة وفرنسا تشرفان على مفاوضات الهدنة فيه”، مؤكدا أن “العراق اقتصر دوره على مستوى معين من الدعم الإنساني، وفي بعض اللحظات لعب دور ناقل الرسائل فيما يخص غزة ولبنان، ولكن في سوريا، وضع العراق نفسه ضمن السياق العربي عبر مبادرته لجمع الدول العربية على موقف واحد بعدما انهار النفوذ الإيراني في الجار الغربي، بهدف ملء الفراغ من قبل تلك الدول بدلا من دولة إقليمية واحدة” في إشارة إلى تركيا.
وكان السوداني، زار الأردن في 11 كانون الأول ديسمبر الحالي، والتقى في العاصمة الأردنية عمّان الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
يذكر أن لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، أكدت في اجتماعها بمدينة العقبة الأردنية، يوم 14 من الشهر الحالي، وكان بمشاركة العراق، الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام إرادته وخيارته، داعية إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية جديدة “جامعة”.
وشدد البيان الختامي الصادر عقب الاجتماع، على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي هيثم الخزعلي، خلال حديث للصحيفة أن “مصر والأردن والسعودية تستشعر الخطر من الوضع في سوريا، ولا يناسبها وجود جماعات متطرفة خلفيتها من جماعة الإخوان المسلمين وأخرى من السلفية والقاعدة، لأن ذلك سيمنحها أرضية شعبية في هذا البلد”.
ويؤكد الخزعلي، أن “العراق يخشى من عودة سيناريو داعش في سوريا، ولذلك فهو يحاول تقوية الاتفاقات مع الدول العربية لإيجاد صيغة حل للحد من نفوذ الجماعات الإرهابية ذاتها”، مبينا أن “الحكومة العراقية لا تريد الذهاب باتجاه موقف عدائي تجاه الجماعات الحاكمة الآن في سوريا، بل تريد التعامل بشكل محترم كدولة لأخرى وفقا للاتفاقيات الدولية”.
ويلفت إلى أن “اشتراك العراق في اجتماعات العقبة هدفه ضمان حصول موقف تجاه قيام نظام في سوريا يكون مدنيا ويحافظ على حقوق الأقليات والطوائف والأماكن المقدسة عبر الجهود الدبلوماسية والأطراف الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مع توظيف مصالحه أيضا ضمن هذا السياق”.
وفي ظل الحراك الدبلوماسي في المنطقة، فقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكالة “رويترز” على “التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته”.
وأضافت أن الوزير ناقش أيضا الفرص والتحديات الأمنية الإقليمية، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي الدائم للمشاركة مع جميع المجتمعات في سوريا لإنشاء انتقال شامل”.
وعقب سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.
من جانبه، يعتقد رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، خلال حديث للصحيفة أن “القاعدة التي ينطلق منها العراق ضمن الملف السوري، هي محاولة طلب استعانة للأمر مع اقتراب القمة العربية، لأنه كلما انحسر النفوذ الإيراني يصبح اتجاه الدول التي في محورها نحو المحور العربي، وهو نفسه ما فعله بشار الأسد سابقا”.
ويبين الياسري، أن “أهمية المنظومة العربية وتوحدها هو لكسر الكماشة التركية – الإيرانية الدبلوماسية، والسوداني قد تحرك ضمن فضاء الدول العربية ضمن النفوذ الأمريكي لكسب دعم هذه الحكومات، كي يقوم بالتأقلم حول الوضع في سوريا، منطلقا من قضية عودة داعش وهي أبرز المخاوف التي تشترك بها مع جميع الدول المحاذية”.
ويستطرد أن “داعش إذا تمكن من الوصول إلى الأنبار، فقد أصبح على أعتاب السعودية وهذا ما يجعل العراق يذهب باتجاه بناء موقف داخلي نحو المنظومة العربية، كي يعطي قوة للرؤى التي يريد أن يصدرها ضمن المفكرة السورية الداخلية، ويجعل الأمر منظما بالتعامل مع دول الفضاء الأمريكي، فضلا عن محاولة تجنبه لاحتمالات وتطورات وتأثيرات ربما تكون قادمة في سوريا بعد دخول إسرائيل للأراضي المطلة على لبنان والأردن وسوريا، وهي كلها تمثل خشية لدى العراق من تفاعلها أكثر”.
ويكمل الياسري حديثه: “العراق أيضا يحاول إيصال رسائل للجانب الأمريكي بما يخص الفصائل، عبر الهدوء والاتجاه بقراره الداخلي السياسي نحو الدول العربية، وقد أصبح منفكا عن التأثيرات الإيرانية، ولكن كل هذه الرسائل ليس لها جدوى دون أن تكون مصحوبة بتفاهمات داخلية تدعم حركته خارجيا، لأن حركته في الخارج دبلوماسيا لن تؤثر إذا لم تكن مشفوعة بقرار داخلي ثابت يطمئن دول الجوار والولايات المتحدة”.
ويدعو السوداني إلى “الانطلاق بتثبيت القرار الداخلي قبل انطلاقه خارجيا بجولات عربية، لأن المبادرات يجب أن تكون حقيقية، وليست مبادرات طوارئ، وبالتالي فعلى العراق إثبات الفعل ثم تصديره للخارج عبر المسار الدبلوماسي”.
ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، يوم السبت الماضي، عن نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة إلى السوداني بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها”.
من جانبه، يرى عضو مركز الرافدين للحوار، سليم سوزة، خلال حديث للصحيفة أن “تحركات العراق الأخيرة على دول الجوار، هي محاولة لإيجاد دور له وسط أدوار الفاعلين الأساسيين في سوريا”.
ويوضح سوزة: “ثمة رؤيتان إقليميتان اليوم بشأن الأحداث السورية الحالية، رؤية تفاؤلية وداعمة للمعارضة السورية تقودها تركيا وقطر وأخرى متحفظة ومتخوفة من هيمنة الإسلاميين على سوريا كرؤية الأردن والامارات والسعودية”.
ويتابع: “العراق يحاول أن يكون في الوسط، لا مع هذه الرؤية ولا تلك، على الرغم من تقاربه مع الرؤية الثانية المتمثلة بالأردن، والسعودية، والإمارات”، مبينا أن “العراق يخشى من سيطرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية ومنها داعش على مناطق سوريا الشرقية على الحدود العراقية، خصوصا إذا انسحبت القواعد الأمريكية من هذه المناطق كما وعد دونالد ترمب، أثناء حملته الانتخابية، حيث سيكون لهذا الأمر تداعيات على الأمن القومي العراقي، لذلك تسعى حكومة السوداني التواصل مع الجانب الأمريكي والدول العربية التي لديها نفس تخوفات العراق لإيجاد حلول مبكرة لهذه المسألة، بعدما ضعف دور إيران في المنطقة، ولم تعد حلولها ممكنة في ظل هذه الظروف”.
ويؤكد سوزة، أن “الأمريكان والفرنسيين بدورهم أعطوا ضمانات للعراق من أنه سيكون آمنا في ظل عملية سياسية سورية شاملة تشترك فيها كل قوى المعارضة السورية، لكن هذه الوعود غير مطمئنة وغير كافية إن قرر ترامب في أول أسابيع حكمه سحب القوات الأمريكية من شرق سوريا كما وعد في حملته الانتخابية، لذلك يتحرك العراق اليوم على دول عربية يشترك معها في مخاوفه من هيمنة إسلامية راديكالية على سوريا بغية الوصول إلى تفاهم أولي على خطوات مستقبلية لاحقة في حال لم تنجح العملية السياسية السورية في صناعة الاستقرار في سوريا”.
ويختم حديثه بالقول “من المبكر القول إن ثمة تحالفا ينشأ بين العراق وبين هذه الدول العربية، لكنه حتى الآن تقارب في وجهات النظر لم تصنعه السياسة أو الاقتصاد، بل الأمن والمخاوف المشتركة فحسب”.
يذكر أن الصحيفة ناقشت في تقرير موسع انهيار ما يسمى بـ”محور المقاومة”، عقب سقوط نظام بشار الأسد، في سوريا، وقطع الطريق على تسليح حزب الله اللبناني، وأسقط نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ، وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض”.
ويشير مصطلح محور المقاومة أو الممانعة، إلى تحالف عسكري وسياسي غير رسمي مناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، ويضم كلا من إيران وسوريا والفصائل العراقية الموالية لطهران، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، وتصنف الولايات المتحدة معظم تلك الجماعات كمنظمات إرهابية.