تقرير: كيف سيكون التعامل العراقي مع سوريا الجديدة؟
متابعات|..
ما زال الموقف العراقي الرسمي حائرا رغم مضي ستة أيام على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، فيما يتوقع مراقبون أن العلاقة بين البلدين ستحكمها عوامل عدة منها التأثيرات الغربية أو الإقليمية وطبيعة القوى التي ستشكل الحكومة السورية.
وقد تم الإعلان عن سقوط نظام الأسد يوم الأحد الماضي، وذلك بعد 12 يوما فقط على بدء المعارضة السورية عملياتها العسكرية التي أسمتها عملية “ردع العدوان”، حيث دخلت قواتها إلى العاصمة دمشق، وأعلنت عبر التلفزيون الرسمي سيطرتها، لتبدأ سوريا عهدا جديدا ومفتوحا على سيناريوهات عدة.
ويقول المحلل السياسي فلاح المشعل، في تقرير لـ”العالم الجديد” تابعته “جريدة”، إن “من المبكر الحديث الآن عن طبيعة العلاقة بين العراق وسوريا بعد الأسد ومستواها، فالوضع السوري حتى الآن ضبابي، وهذه الأيام القليلة لا تعطي تصورا كافيا لدولة ما، إضافة إلى أن الحكومة العراقية كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع حكومة بشار الأسد وهي علاقات الرابط السياسي بمحور المقاومة بالشراكة مع إيران ولبنان، لكن هذا المحور الآن تلاشى”.
وعن إعادة بناء العلاقة، يضيف المشعل، أن “من قاموا بالتغيير في سوريا طلبوا أن تكون علاقة طبيعية ومصالح مع العراق، هناك علاقة اقتصادية بين البلدين، اللذين يمثل أحدهما للآخر عمق أمنيا واستراتيجيا، لذا فلا بد من وجود علاقات بين البلدين المتجاورين بحكم الجغرافيا”.
وكان قائد إدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية، وزعيم تنظيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، وجه الخميس الماضي، رسالة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد فيها أن لا نية لدى الفصائل المسلحة السورية بتهديد أمن العراق، وفيما أشار إلى رغبته بمد جسور العلاقات السياسية والاقتصادية مع بغداد، دعا إلى منع الحشد الشعبي من المشاركة في الأحداث الجارية في بلاده.
ويشير المشعل، إلى أن “الأمر يتطلب مزيدا من الوقت لظهور ملامح الدولة السورية، بعد ذلك يمكن الحديث إذا ما كانت ثمة إشكاليات أو انقطاعات في العلاقة، وقد تعود إلى ما كانت عليه في زمن الرئيسين الأسبقين صدام حسين وحافظ الأسد، حيث كانت قطيعة استمرت 20 عاما، لكن توجد إشكاليات تاريخية وأزمات عالقة بين الدولتين، من قبيل ملفات المياه والإرهاب والتي يمكن تسويتها بين البلدين”.
أما الموقف من إيران وتأثيره على هذه العلاقة، يعتقد المحلل السياسي، أن “مصالح الدول فوق الانتماءات الطائفية، والمواقف السياسية عادة ما تكون متحركة وفق المصالح، فقد كانت هناك مصالح معينة مع حكومة الأسد، وكان هناك تطابق بالرأي”.
ويعد العراق وسوريا من الدول التي تساند ما عرف بمحور “المقاومة أو الممانعة” التابع لإيران والذي يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، وشكل سقوط الأسد ضربة قاصمة لهذا المحور، ووفق تقرير نشرته “وكالة الصحافة الفرنسية”، فلطالما أدّت سوريا التي تتشارك مع لبنان حدودا طويلة سهلة الاختراق، دورا استراتيجيا في إمداد حزب الله اللبناني الذي تموّله إيران، بالأسلحة، كما أكد المرشد الإيراني علي خامنئي مرارا أن “سوريا هي عند الخط الأمامي للمقاومة” ضد إسرائيل، وهي “ركيزة” في هذه المعركة.
من جهته، يتفق المحلل السياسي علاء الخطيب، مع المشعل، في أن “الوقت ما زال مبكرا في الحكم على المشهد السوري الجديد، فالعراق كغيره من الدول ليس واثقا من طريقة تعامل المعارضة السورية مع الواقع الجديد، وكثير من الدول العربية حتى هذه اللحظة لم تعط رأيا واضحا في التعامل مع سوريا حاليا”.
ومما يعرقل المواقف الإيجابية، يضيف الخطيب، أن “الجولاني على رأس المعارضة، وهو مطلوب للقضاء العراقي، وفق مذكرة قبض ما تزال فعالة حتى هذه اللحظة، ما يعقد التعامل مع هكذا واقع، إضافة إلى أن الوضع السوري حتى الآن قلق ومضطرب، وهناك كثير من الأخبار عن حملات تصفية ودخول للقوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية، وحتى الحكومة الانتقالية لم تحظ بمقبولية السوريين جميعا حتى الآن، ناهيك عن المظاهرات التي انطلقت في إدلب أمس (الأول) تندد بما قام به الجولاني، كذلك يظهر النزاع بين قسد وهيئة تحرير الشام”.
ويكمل الخطيب، أن “كل هذه التقاطعات والتشابكات لم تمنح أي دولة إمكانية التعامل والتفاعل مع هذا النظام، حتى المجتمع الدولي متردد، وألمانيا وفرنسا وبريطانيا تريثت في التعامل مع النظام الجديد، إذ عبرت كل منها عن أن الوضع ضبابي حتى هذا اللحظة، لكن بالتأكيد عندما تستقر الأمور، فالعراق يريد علاقات طيبة مع سوريا لا تشوبها أي إشكاليات”.
وكانت الولايات المتحدة قد أبدت حذرا في نظرتها للتغيرات التي تشهدها سوريا، بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة التي تقودها هيئة تحرير الشام على السلطة، وقال نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون فاينر، إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تحديد سبل التعامل مع جماعات المعارضة في سوريا، لافتا إلى أنه “لم يحدث تغير رسمي في السياسة حتى الآن”، معتبرا أن “ما يهم هو تصرفات هذه الجماعات”.
وفي السياق ذاته، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، ذكر ما إذا كانت واشنطن ستلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية، وهو التصنيف الذي يمنع الولايات المتحدة من مساعدتها.
وعما إذا كان العراق يشعر بالحرج بسبب تعاونه مع نظام الأسد، يرى المحلل السياسي، أن “العراق ليس محرجا من تأييده للنظام السابق، هذه مرحلة وانتهت، والسياسة مراحل لا يجب أن تقف على نقطة معينة، بل التعامل مع الواقع، وربما لا تكون العلاقات على وجه جيد مع سوريا بعد الأسد، لكن العراق لا يريد لها أن تكون سيئة”.
وأكد المرشد الإيراني علي خامنئي، اليوم الأربعاء، إن سقوط بشار الأسد “لن يضعف إيران”، واعتبر في أول تعليق له على سقوط نظام الأسد، أنه “يُزعم أنه عندما تضعف المقاومة فإن إيران الإسلامية سوف تضعف أيضا. إنني أؤكد بأن إيران قوية وستزداد قوة واقتدارا”، وأوضح أنه “مما لا شك فيه بأن السبب الرئيسي لما حدث في سوريا، تم وفق مخطط مشترك دبر له في غرفة قيادة أميركية وصهيونية”.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، أن “الموقف العراقي من سوريا يعتمد على جملة من العوامل السياسية الإقليمية والدولية، فالعراق في السنوات الأخيرة كان يتبنى سياسة دعم قوية لنظام بشار الأسد، بسبب العلاقات الاستراتيجية مع إيران، التي كانت أحد أبرز داعمي الأسد، ولكن بعد سقوط الأسد، فإن العراق قد يواجه تحديات دبلوماسية خطيرة، ويُحتمل أن يتعرض لإحراج سياسي”.
وعن العوامل التي تحدد الموقف العراقي بعد سقوط الأسد، يحدد الهلالي أولها بـ”التأثير الإيراني”، يضيف: “إيران تشكل أحد المحاور الأساسية التي تدعم الحكومة العراقية الحالية، وبالتالي فإن التغيير في سوريا قد يزعزع العلاقات بين بغداد وطهران، إيران كانت ترى في نظام الأسد حليفا استراتيجيا مهما، خصوصا فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والمصالح المشتركة ضد التنظيمات الإرهابية”.
وثاني العوامل، وفقا للهلالي، هي “العلاقات مع الدول الغربية والعربية فدعم العراق المستمر للأسد كان محل انتقاد من قبل العديد من الدول الغربية والعربية، والآن سيكون على العراق اتخاذ موقف أكثر مرونة لكي يتجنب عزلة سياسية”، مشيرا إلى أن “هناك مواقف داخلية أيضا، فالحكومة العراقية قد تواجه معارضة من بعض القطاعات داخل العراق، مثل القوى السنية والكردية، التي عانت من التدخلات السورية خلال الحرب في العراق. وقد تدعو هذه الفئات الحكومة العراقية للتقارب مع حكومة جديدة في سوريا بعيدا عن التأثير الإيراني”.
ويلفت إلى أمر آخر، بالقول “إذا تشكلت حكومة في سوريا بعد سقوط الأسد تضم مجاميع مسلحة أو فصائل تُصنف كإرهابية من قبل المجتمع الدولي، فإن العراق سيكون في موقف حرج، فهو يعاني أيضا من وجود جماعات مسلحة داخل أراضيه مثل الحشد الشعبي التي كانت جزءا من الحرب ضد تنظيم داعش، وهذا الواقع قد يزيد من تعقيد موقف العراق في التعامل مع حكومة سورية مشابهة، خاصة إذا كانت تلك الحكومة تضم فصائل تعتبرها دول مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إرهابية”.