الدستور والأحوال الشخصية
بقلم / سلام مكي
العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون! هذا ما نصت عليه المادة 41 من الدستور، والتي تسبب وقت تشريعها بجدل قانوني واجتماعي كبيرين، ولازال الجدل قائما، رغم مدة ناهزت العقدين من الزمن على نفاذها. هذه المادة، أباحت لمجلس النواب، تشريع قانون جديد للأحوال الشخصية، يعدل القانون الحالي، الذي مر على تشريعه أكثر من ستين عاما.
ولقانون الأحوال الشخصية، كما هو معلوم، خصوصية عن باقي القوانين، فهو يختص بمسائل تنظيم الأسرة، وتأطير العلاقة بين الزوج والزوجة والأبناء والأولاد، فيحدد واجبات وحقوق الزوجين من جهة، وينظم الآليات القانونية والشرعية لانحلال الرابطة الزوجية”الطلاق”، وآثاره من نفقة للأولاد أو للزوجة، وكذلك المهر وحق السكنى وغيرها مما يخلفه الطلاق من آثار قانونية واجتماعية، لابد من تنظيمها وتقنينها. مما يعني أن قانون الأحوال الشخصية، يختص بمسائل الحل والحرمة، خلافا لباقي القوانين، كقانون العقوبات والقانون المدني وغيره. على هذا الأساس، اعتبر المشرع أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس لنصوص هذا القانون، لأن تطبيق أي شريعة أخرى، أو اعتماد مصدر آخر، يعني مخالفة للأحكام الشرعية، عكس باقي القوانين التي لو لم تعتمد الشريعة كمصدر رئيس لها، لن يخالف الأفراد أحكام الشريعة الإسلامية.
الأحوال الشخصية في زمن الحكم الملكي، كانت تتبع نظام المحاكم الجعفرية والسنية، حيث يقسم قضاء الأحوال الشخصية الى قضاء خاص بالمسلمين الشيعة وقضاء بالمسلمين السنة، لكن بعد ثورة 14 تموز 1958، وتبدل نظام الحكم الى جمهوري، واعتماد فلسفة حكم جديدة، تم تعديل قانون الأحوال الشخصية، وجعله قانونا موحدا لكل العراقيين، حيث تم الأخذ من جميع المذاهب، واعتماد ما كانت تراه اللجنة المكلفة بإعداد القانون أنه الأصلح والأنسب من قواعد فقهية لتكون قانونا ملزما للجميع. فتم تشريع القانون رقم 188 لسنة 1959، وبقي القانون نافذا لغاية اليوم، مع إجراء الكثير من التعديلات عليه طوال السنين الماضية، خصوصا مع سنوات الحرب مع إيران، إذ شعرت السلطة آنذاك بضرورة تعديل بعض فقرات القانون، لتتماشى مع واقع الحرب. وبعد سقوط النظام، وتبدل نظام الحكم، تم تضمين الدستور العراقي الدائم لعام 2005 نص المادة 41 المذكورة في أعلاه والتي أعطت للعراقيين الخيار في اختيار أحوالهم الشخصية، لأن النظام الجديد، القائم على فلسفة الحرية لكل فرد، لابد له مراعاة أن يحتكم المواطن الى أحواله الشخصية الخاصة به، ولا يجبر على الاحتكام الى أحكام من غيره مذهبه.
فجرت محاولات لتعديل القانون، بعد عام 2010، لكن تلك المحاولة لم تتم، لأسباب عدة، منها أن الوضع السياسي العام، وطبيعة عمل مجلس النواب آنذاك، لم يسمحا بتمرير القانون. اليوم، وبعد عزم مجلس النواب على تعديل قانون الأحوال الشخصية، فإن الرغبة تبدو كبيرة، والإدارة السياسية تتجه نحو التعديل، الذي لاقى ردود أفعال كبيرة، منها رافضة للتعديل، ومنها موافقة. ولكل منهما وجهة نظر مختلفة، لكن المشكلة التي أظهرها التعديل، أن هنالك جهات وأفراد، رافضة للتعديل، تختلق أسبابا لا وجود لها، وتعتمد على بيانات خيالية، وتفترض وقائع قد لا تحدث أبدا. بالمقابل، هنالك من يخوّن الرافضين، ويلصق بهم اتهامات لا صحة لها، لمجرد الاختلاف حول القانون.
المحكمة الاتحادية بدورها، قامت بتفسير المادة 41 من الدستور فقالت: إن النص انف الذكر منح الشعب العراقي الحق في حرية تنظيم أحواله الشخصية، إلا أنه لا يجوز تقييد ممارسة ذلك الحق أو تحديده وتلك الحرية إلا بناءً على قانون على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية وفقاً لما جاء في المادة (46) من الدستور، مما يستلزم تنظيم تلك الحرية، في الالتزام بالأحوال الشخصية، بقانون. فمن حق أي مواطن وفق الدستور وقضاء المحكمة الاتحادية، أن يلتزم بأحواله الشخصية، ولكن يجب أن يكون ذلك وفقا لقانون، وهذا القانون، إضافة لما نصت عليه المحكمة من عدم تقييد جوهر الحق أو الحرية، ألا يمس النسيج المجتمعي، وألا يترك آثارا وتبعات قانونية واجتماعية، حيث إن موضوع الأحوال الشخصية، يهم ويخص كافة شرائح المجتمع، ولابد من مراعاة خصوصيته، بالتالي عدم الاستعجال أو الركون الى أسباب لا علاقة لها بالهدف الأساس من تشريع القانون.