نور زهير.. رسائل بلا قرّاء

بقلم / سلام مكي

قبل أن ندخل في عالم نور زهير/ الظاهرة، لابد من التطرق الى المادة 27 في دستور جمهورية العراق والتي تنص: للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن..

إن هذا النص، أسبغ على المال العام، سواء كان منقولا أو عقارا، حماية خاصة، تختلف عن الحماية الممنوحة للأموال الخاصة. لكن المشرع العراقي، ورغم مرور عقدين على تشريع هذه المادة في الدستور، لم يسن قانونا جديدا لحماية المال العام، بل اكتفى بنصوص قانون العقوبات التي جرّمت كل من يختلس أو يسرق أو يتسبب بهدر في المال العام.

قبل أيام ظهر المتهم الرئيس بما يسمى ” سرقة القرن” نور زهير، من على شاشة قناة الشرقية، يحاوره أحد الإعلاميين، وهذا اللقاء، عبارة عن رسائل قانونية وسياسية واقتصادية، موجهة لا إلى شخص بعينه، بل موجهة الى الشعب العراقي بأكمله، من حكومة وشعب، رسائل بحاجة الى قراءة دقيقة، وتحليل اعلامي وقانوني، لقراءتها والاجابة عنها لاحقا، عبر الوسائل التي كفلها القانون.

اللقاء بدأ بسؤال من المقدم عن سبب اختياره للشرقية، فأجاب لأن الشرقية منبر حر لكل العراقيين وحيادية وغير متحزبة!! فالرسالة الأولى هنا تفيد بأنه هو من أراد الظهور الإعلامي، في وقت حرج، وحساس يتمثل بأن قضيته لازالت قيد المحاكمة، والأوراق التحقيقية بعهدة القضاء لم يبت بها، فحاول أن يكسب تعاطفا شعبيا أو نخبويا، لتشكل دعما له، ولتكون سلاحا في مواجهة ما يستجد من أدلة وما يمتلكه خصومه ضده.

المكان الذي أجري فيه اللقاء، يوحي بأنه خارج العراق، وهو عبارة عن قصر، أو فيلا كبيرة، تشبه قصور الملوك أو رؤساء الدول. وهذه الرسالة الثانية التي وجهها نور، فهو إنما يقول: نعم أنا أملك كل هذا وأكثر، وأعيش حياة لا يعيشها حتى رئيسكم ولا قادتكم!

الرسالة الأخرى، أن نور زهير هذا، كان يفترض أن يكون اطلاق سراحه بكفالة، حتى يقوم بتسديد المبالغ المترتبة بذمته. كما أن إطلاق السراح بكفالة عادة ما يكون مشروطا، فلا يسافر المتهم المكفل، حتى لا يهرب، كما أن الكفالة تعني إحضار أشخاص يتعهدون بإحضار المتهم يوم المحكمة، وبخلافه، فإنهم يقومون بتسديد مبلغ معين يحدده القاضي المختص. المشكلة: ماهو المبلغ الذي تم تحديده؟ إذا كان المبلغ المسروق ترليونات الدنانير، فهل سيكفل بترليون دينار مثلا؟ هل مبلغ كفالة نور زهير 5 ترليون؟ وفي حالة لم يحضر للمحاكمة، فهل سيتمكن الكفيل من تأمين هذا المبلغ؟ أم سيقبل بالسجن، لحين تسديد المبلغ أو لحين حضور نور للمحكمة؟ أتكلم من جانب قانوني، لأني لا أعرف الآلية التي اتبعتها المحكمة في إطلاق سراح نور بكفالة. الأمر الآخر أن نور زهير، لم يحضر في الموعد الأول لمحاكمته، لذلك المحكمة قررت تأجيل موعد المحاكمة، ويبدو أن الحادث الذي تعرض له نور مؤخرا والذي يقال أنه مفتعل، قد يكون سببا كافيا للتأجيل مرة أخرى، رغم أنه طالب في اللقاء بأن تكون المحاكمة علنية، لأن لديه الكثير ليقوله.

ما تم ملاحظته أن ردود الأفعال على اللقاء التلفزيوني، والرسائل الفادحة التي أرسلها نور للعراقيين، لم تجد صدى يتناسب معها، عدا ردة الفعل المتوقعة من النائب مصطفى سند، بسبب ورود اسمه في اللقاء، إضافة الى هيأة النزاهة التي ردت على قول نور بأن مبالغ الأمانات الضريبية لا تعود للدولة! فلم نسمع أحدا قال لنور: حتى لو كانت تلك الأموال ليست للدولة، فهذا لا يعني أنها لك! إنها وكما هو معلوم للجميع، أموال أمانات! أي أن أصحابها سلموها لدائرة الضريبة كأمانة لديها، أما تسترد وإما تذهب لخزينة الدولة، وبكلا الحالتين، فإن استردت من قبل أصحابها، فإن الدولة ملزمة بتسديدها لهم، على اعتبار أنهم لا يتحملون الخطأ الذي وقعت به الدولة أو موظفيها، وإذا ذهبت للخزينة، فهي أموال دولة! وفي الحالتين، هنالك ضرر كبير أصاب المال العام، ولا نعلم كيف سيتم جبر ذلك الضرر؟

لكننا نثق بأن للقضاء العراقي، القدرة والامكانية على تطبيق القانون، وحماية المال العام من السراق والفاسدين، مهما كانت خلفياتهم، ونور زهير، حتما سينال جزاءه العادل، بعد أن تتم إدانته من قبل المحكمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار