تحليل يشخص مشاكل الكهرباء منذ 42 سنة ويعطي الحلول الناجعة لها

متابعات|..

سلط المتخصص في شؤون الطاقة، دريد عبدالله، في مقال له يوم السبت، الضوء على كل مشاكل الكهرباء العراقية منذ 42 سنة، وأعطى الحلول الناجعة من أجل التغلّب عليها، كما وسلط الضوء أيضاً على أهم القوالب الشعبوية التي لا زالت رائجة هذه الأيام.

وفيما يلي نص المقال الذي ترجمته ”جريدة“ ويحمل عنوان “الكهرباء في العراق وجبل الجليد الطافي في عام 2024”:-

يعاني قطاع الكهرباء في العراق من الفساد ونقص الغاز وعدم الكفاءة التشغيلية، مما يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة وإعاقة التنمية، ويتطلب إصلاحات عاجلة واستثمارات كبيرة.

وعندما يسأل البغداديون عن مصدر معاناتهم اليومية (التي لا تنتهي)، يشيرون إلى عدم كفاءة دائرة الكهرباء المحلية، التي توفر لهم كهرباء غير كافية ومتقطعة.

وقد أثر النقص سلبًا على أنشطتهم وميزانيتهم المحدودة بالفعل. ويربطون هذا التراجع في إمدادات الكهرباء، رغم إنفاقهم مئات المليارات، بـ«مثلث الشر الكهربائي» (حيتان الفساد المحلية والإقليمية والدولية). وهو ما يعيق، بناء على آراء أهل بغداد، أي تحرك نحو تطوير هذه الوزارة.

وأسباب مشاكل الكهرباء التي أبرزها المواطنون ما هي إلا غيض من فيض. أما الجزء المغمور فهو أكبر وأخطر.

إذن ما هو الجزء المغمور من جبل الجليد؟ ما هو تحت الطرف المرئي؟ هل كانت التصريحات العامة دقيقة ومبنية على الحقيقة؟

وقع وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب، الثلاثاء 30 نيسان 2019، اتفاقية تنفيذية مع شركة سيمنس الألمانية، بحضور المستشارة الألمانية ورئيس الوزراء العراقي.

وبعد أشهر تم توقيع اتفاقية مع شركة (GE) الأمريكية، بدعم من الحكومة الأمريكية. كان ذلك بمثابة بداية جهود هذا الأكاديمي المليء بالحماس والرؤى الجديدة نحو التغييرات الفنية والتنظيمية للشبكات الكهربائية العراقية المتهالكة وإعادة هيكلة الوزارة التي يسودها الفساد والبيروقراطية وفائض كفاءة الموظفين.

وبالفعل، ارتفع معدل الإنتاج في الأشهر التالية بمقدار 3 جيجاوات، و2 جيجاوات إضافية خلال العام. ومع ذلك، بعد 163 يومًا من حفل التوقيع في برلين، تمت إقالة الحكومة، وتم حفظ جميع خططها في الأرشيف.

ولتلخيص قصة الكهرباء حتى عام 2024: يمتلك العراق 75 محطة لتوليد الكهرباء، تحتوي على 680 توربينا، 20 بالمئة منها معطلة، والباقي ينتج ما يقارب 15.2 جيجاواط سنويا، ويتم استيراد ثلاثة بالمئة اضافية من الكهرباء من اقليم كوردستان والدول المجاورة .

ولا تتلقى محطات التوزيع سوى 40 في المئة من الكهرباء المنتجة والمستوردة، أي أن خسائر التوليد والنقل والتحويل والسرقة تصل إلى 60 في المئة.

ونتيجة لذلك، يحصل 42 مليون عراقي على 6.5 جيجاوات فقط من صافي الكهرباء، وهو رقم منخفض يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي الحتمي لأكثر من 12 ساعة يوميا، وخاصة خلال أوقات الذروة.

تعاني وزارة الكهرباء العراقية من مشاكل مترابطة وطويلة الأمد، حيث أن توفير الكهرباء في هذا البلد الغني بالنفط غير مستقر ومكلف.

مما يثقل كاهل المواطنين والدولة خسائر تشغيلية وصلت إلى 7 مليارات دولار عام 2023، من دون تكاليف الاستيراد التي بلغت 13 مليار دولار.

وقد تسبب ذلك في خسارة اقتصادية سنوية تعادل 50 مليار دولار أمريكي، مما جعل هذه المؤسسة من بين أسوأ ثلاث مؤسسات كهربائية على وجه الأرض.

إلى حد أن الاتفاقيات التنفيذية الموقعة مع شركتي سيمنس وجنرال إلكتريك المذكورة أعلاه، تم تأجيلها لأسباب عديدة أهمها عدم توريد الغاز اللازم لتشغيل المحطات والتوربينات والذي كان ضمن الاتفاقية، في إضافة إلى عدم حصول المشاريع على أي تمويل طويل الأمد، لا من المستثمرين المحليين ولا من المقرضين الدوليين، مع صعوبة التمويل الحكومي.

ويحتاج العراق سنويا إلى 24 مليون متر مكعب من الغاز الجاف لتوليد الكهرباء، يتم استيراد 40 بالمئة منها من إيران عبر خطوط الأنابيب.

المشكلة هي أنه لإنتاج الكهرباء اليوم، يصل إلى المحطات 83 بالمئة فقط من الغاز الجاف المطلوب، مما يقلل الكفاءة ويكلف 6.5 مليار دولار (الغاز المحلي والمستورد مجتمعين)، ولا يملك العراق احتياطيا استراتيجيا من الغاز (تحت الأرض أو الغاز). السطحي) الذي يمكن أن يسد فجوات التقلبات الموسمية الناتجة عن استيراد الغاز من الخارج.

تعاني محطات الكهرباء في العراق من سوء التشغيل والصيانة. وقد أدى استخدام الغاز غير المتوافق إلى معدل توليد لا يتجاوز 30 إلى 50 بالمائة من القدرة التصميمية.

تبلغ تكلفة الوحدة الواحدة في بعض المحطات (بالإضافة إلى الفساد والبيروقراطية وعدم كفاءة الموظفين) حوالي دولار واحد لكل كيلووات/ساعة. وهو معدل غير مقبول.

كما تصل خسائر القطاعات الكهربائية إلى أرقام مرعبة. على سبيل المثال، في مدينة الصدر ببغداد، وصلت الخسارة إلى 70 بالمائة من الكهرباء المولدة، مما يثبت أن شبكة الكهرباء في العراق غير قادرة على تلبية الطلب المحلي المتزايد.

جزء من جبل الجليد المغمور بمشكلة الكهرباء يأتي من محطات المحولات وخطوط النقل، حيث هناك نقص في أعدادها بنسبة 100%؛ خاصة في محطات 132 و 400 كيلو فولت.

وتحتاج الشبكة إلى 400 محطة محولات وخطوط نقل مختلفة بحلول عام 2024 لتقليل الخسائر. ويؤثر عدم توفر هذه البنية التحتية على النقل السلس والفعال للكهرباء، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي وزيادة الفاقد في الكهرباء الذي يصل إلى 65 بالمائة من صافي فاقد الشبكة. ولذلك، يواجه العراق تحديات في ربط شبكته بشبكات الدول المجاورة.

وفي السنوات ما بين 1980 إلى 1989، استثمر العراق 55 مليار دولار (ما يعادل 178 مليار دولار اليوم) في تطوير شبكته الكهربائية. وفي عام 1990، وصلت قدرة التوليد المحددة إلى 9.3 جيجاوات. وخلال 20 عاماً بين عامي 2003 و2022، أنفق العراق 134 مليار دولار (تشغيلياً واستثمارياً)، أي 30 بالمئة فقط مما تم استثماره في الشبكات الكهربائية في السعودية في الفترة نفسها.

أما بالنسبة للجزء الثالث من جبل الجليد، فإن 67% من العراقيين لا يدفعون ثمن الكهرباء التي يستخدمونها. ومن بين 6 ملايين وحدة سكنية، 4.3 مليون منها فقط بها عدادات كهرباء، وأغلبها لا تعمل، أو ترتبط الكهرباء بشكل مباشر بالشبكات بدون عدادات.

ويمثل ذلك 35% من الخسائر، على الرغم من أن سعر الكهرباء للمنازل يبدأ من 10 دنانير (0.0065 دولار) إلى 120 دينار (0.078 دولار)، وهو ما لا يلبي متوسط تكلفة الإنتاج (0.13 دولار). ولهذا السبب، وصل دخل العراق من الكهرباء، من جميع مستخدميه، في عام 2023، إلى 1.75 مليار دولار، مقارنة بدخل السعودية البالغ 19.54 مليار دولار خلال نفس الفترة.

بحلول عام 2030، يحتاج العراق إلى 30 جيجاواط من الإنتاج الاستهلاكي لتلبية حاجته الحالية ورفد التنمية الاقتصادية باستثمارات لا تقل عن 50 مليار دولار في جميع القطاعات الخمسة (التوليد والنقل والتحويل والتوزيع والتحصيل). وهو رقم قد لا تتمكن الحكومة من الوصول إليه خلال السنوات الـ 6 المقبلة، حيث أن هناك تحديات في إدارة مشكلة الكهرباء الحالية.

وأخيرا، يحتاج العراق إلى مستثمرين محليين وأجانب لتطوير قطاع الكهرباء والسماح للقطاع الخاص بلعب دور أكبر في تشغيله، بالإضافة إلى تنظيم وزارة الكهرباء أو دمجها مع وزارة الموارد الطبيعية لتصبح “وزارة الطاقة”. “.

تحتاج البلاد إلى العمل على الحصول على الأموال اللازمة لتوفير البنية التحتية في مجال الغاز وخلق فرص استثمارية حقيقية لتطوير حقول الغاز، لضمان إنتاج أكبر وتلبية الطلب المحلي (بما في ذلك بناء خزانات استراتيجية تحت الأرض مع خزانات سطحية بسعة إجمالية تصل إلى 7 مليار متر مكعب).

بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إلى تطوير آلية للإنتاج المحلي من الغاز الجاف، حيث أن اتفاقية المقايضة الأخيرة مع تركمانستان تهدف إلى تجنب العقوبات الأمريكية. ولن تكون هذه الآلية حلاً لاستيراد وتوريد الغاز، وبالتالي لم تكن حلاً لمشكلة الكهرباء في العراق.

سوء التخطيط والفساد وعدم الكفاءة، كلها ساهمت في فشل هذا القطاع وهي العوامل الرئيسية في تباطؤ التنمية الاقتصادية في البلاد وإحباط خطط التوسع في إشراك القطاع الخاص.

وسيكون على الحكومة تغيير وحدات العدادات (الحكومية والمنزلية والصناعية والتجارية) إلى العدادات الإلكترونية الذكية (مسبقة الدفع) وتوزيعها على جميع المحافظات لضمان الاستهلاك العادل.

ومن شأن هذا الجهد أن يحد من الفساد ويقلل من السرقة ويحفظ حقوق الجمهور من خلال قوانين صارمة، من شأنها أن تحمي دخل هذه الموارد وتعطي مراجعة شاملة للكهرباء المباعة، خاصة للمنازل والمؤسسات الحكومية التي تشكل 75 بالمائة من إجمالي الطاقة الكهربائية. إجمالي الاستهلاك.

إن البيانات الصحفية التي تتضمن بيانات متفائلة بشكل غير واقعي لن تعالج أياً من هذه القضايا، ولكنها ستزيد الوضع المعقد بالفعل تعقيداً. وهذا سيدفع الحكومات المتعاقبة إلى تبني سياسات محددة للإجابة على تساؤلات الجمهور حول صحة تلك الأرقام والأهداف والخطط المستقبلية التي ستكون غير منطقية على الإطلاق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار