تقرير تركي يكشف كواليس المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية ويحذر من سيناريوهات مماثلة

 

متابعات|

رأى خبراء عسكريون واستخباراتيون أن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي استمرت 12 يوماً فقط، مثّلت نموذجاً نوعياً لـ”الصراع متعدد الأبعاد”، الذي يتجاوز المفهوم الكلاسيكي للمواجهة العسكرية. وتؤشر هذه الحرب، بحسب تقرير صادر عن أكاديمية الاستخبارات التركية، إلى تحوّل جوهري في شكل الحروب الحديثة، يستوجب من أنقرة مراجعة منظومتها الأمنية والعسكرية والمدنية، استعداداً لسيناريوهات مشابهة قد تطالها في أي لحظة.

وفي التقرير  الذي تابعته “منصة جريدة”، رُصدت تطورات الحرب من منظور عسكري وتقني واستخباراتي ودبلوماسي، مع تحليل انعكاساتها على تركيا والمنطقة، وطرح ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران. ويخلص التقرير إلى أن أي تأخير في تطوير مفاهيم الدفاع المجتمعي، والجاهزية المدنية، والتكامل الاستخباراتي، قد يكون مكلفاً على المدى القريب، في ظل مسرح إقليمي مفتوح على المفاجآت.

صراعٌ يتجاوز الميدان

تؤكد أكاديمية الاستخبارات التركية أن الصراع بين إسرائيل وإيران لم يكن مجرد تبادل صواريخ، بل كان اختباراً مكثفاً لنماذج الحرب الهجينة، حيث تداخلت العمليات الجوية مع الضربات السيبرانية، والتشويش الكهرومغناطيسي، والطائرات المسيّرة، والهجمات الإعلامية والنفسية.

وبحسب التقرير، فإن الحرب أبرزت أهمية السيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي، وهو ما مكّن إسرائيل من شلّ بنية القيادة والسيطرة الإيرانية خلال أول 72 ساعة، عبر قصف الرادارات وشبكات الاتصالات وتخريب أنظمة الدفاع المركزية، مما منع طهران من تنفيذ أي رد فعّال.

وأشار التقرير إلى أن استخدام الطائرات المسيّرة (UAV وUCAV) والطائرات المأهولة بشكل منسّق، قدّم نموذجاً لعمليات دقيقة وفعالة من الناحية الزمنية والاستراتيجية، حيث جرى تنفيذ ضربات متعددة الاتجاهات تستهدف أعماق الأراضي الإيرانية دون خسائر بشرية كبيرة للطرف المهاجم.

ويُبرز التقرير الإسرائيلي أيضاً كيف أصبحت الحرب السيبرانية جزءاً لا يتجزأ من المشهد العملياتي، عبر شلّ المنظومات الدفاعية عن بُعد، واختراق البيانات، والتأثير في الرأي العام من خلال الفضاء الرقمي، مما يجعل السيطرة على “اللا محسوس” أولوية لا تقل عن السيطرة على الأرض والجو.

المعركة في الداخل

رصد التقرير دور جهاز الموساد الإسرائيلي في توجيه الضربات عبر خلايا داخل إيران، واعتماده على أدوات بشرية مثل منظمة “مجاهدي خلق”، إضافة إلى استغلال منظمات الجريمة في نقل الأسلحة وتنفيذ اغتيالات عبر طائرات مسيّرة صغيرة الحجم.

وتُظهر معلومات التقرير أن بعض هذه الخلايا كانت تنشط من شمال العراق، وقدّمت معلومات فورية ساعدت في توجيه الضربات بدقة. وهذا ما دفع الأكاديمية إلى التحذير من تكرار السيناريو داخل تركيا، عبر تنظيمات مثل “غولن”، أو من خلال “النيّات الخبيثة” التي تستهدف البيروقراطية الأمنية والصناعات الدفاعية.

ويشدد التقرير على أن الاستخبارات لم تعد مهمة النخبة، بل تحوّلت إلى مسؤولية جماعية، تتطلب تنسيقاً يمتد من حراس الأحياء إلى رأس الدولة. ولهذا، يجب دمج الوعي الأمني في الإعلام والتعليم والثقافة الشعبية، وإعداد منظومة إنذار مبكر تعتمد على المواطنين كعيون أمنية فعالة، حسب التقرير.

ويضيف أن التكنولوجيا جعلت من الأطفال والمراهقين مصادر معلومات محتملة، مما يفرض على الدولة والمجتمع التفكير بطريقة مختلفة حول من يستحق “الثقة الأمنية”.

من بقي إلى جانب إيران؟

من أبرز نتائج الحرب، بحسب التقرير، أن إيران دخلت المعركة دون حلفاء يُعتدّ بهم. إذ لم تُفعّل الصين أو روسيا أي آلية دعم حقيقية، رغم “التحالفات الورقية”، في حين لعب الدعم الأميركي لإسرائيل دوراً مركزياً في تماسك الأداء العملياتي.

ويرى التقرير أن تعثر المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وغياب المرونة السياسية لطهران، دفع واشنطن وتل أبيب نحو خيار المواجهة، وهو ما يُظهر أن الفجوات الدبلوماسية قد تتحول إلى قنابل ميدانية.

ويؤكد التقرير أن “الحياد” لم يعد كافياً في زمن الحرب متعددة الأبعاد، فالدول التي تقف في المنطقة الرمادية تتحوّل عملياً إلى أهداف سهلة. وفي هذا السياق، على تركيا أن تعيد تقييم تحالفاتها الاستراتيجية، لا بناءً على الخطابات، بل على قدرات الردع الفعلي في الميدان.

كما يسلط الضوء على أن الردع العسكري وحده لم ينقذ إيران، فبرغم امتلاكها آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة، فإن غياب الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي جعلها تخسر “الحرب القصيرة” من دون قدرة حقيقية على التوازن.

تحديات تركيا المقبلة

يشدد التقرير على أن الحرب كشفت ثغرات ضخمة في الصناعات الدفاعية الإيرانية، حيث لم تتمكن الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية من تغيير المعادلة، رغم استخدامها الكثيف، بسبب تفوق إسرائيل في الدفاع الجوي.

وتدعو الأكاديمية في هذا السياق إلى مراجعة العقائد القتالية التركية، وتحديث مفاهيم التهديد والردع، عبر اعتماد مقاربات ديناميكية تأخذ في الحسبان البيئة الإلكترونية، والذكاء الصناعي، والطائرات الصغيرة، والمجسات الأرضية.

وفي ما يخص الدفاع المدني، فإن التقرير يحذر من غياب الملاجئ ونظم الإنذار في المدن الكبرى، ويوصي بتحويل محطات المترو إلى ملاجئ طوارئ، وإنشاء ملاجئ جماعية قرب المؤسسات الحساسة.

كما يوصي ببناء شبكة للإنذار المبكر، وتنظيم استخدام الهواتف المحمولة وقت الطوارئ، وزيادة وعي المواطنين بطرق التعامل مع الحروب الحديثة، بما في ذلك الشائعات والانقطاعات المعلوماتية.

ويختم التقرير بتوصية تؤكد أن الاستعداد المجتمعي لا يقل أهمية عن الصناعات الدفاعية، فالأمن يبدأ من الوعي، وغياب هذا الوعي قد يُسقط دولاً تملك الجيوش، لكنها تفتقر إلى الحصانة الداخلية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار