منصة الغاز “الهائمة”

بقلم / يعقوب يوسف الخضر
مهندس استشاري, باحث في الشأن الاقتصادي
يوم السبت الماضي كان 1/6/2025 وحسب التصريحات المتعددة للناطق الرسمي باسم وزارة الكهرباء على القنوات الفضائية العراقية المختلفة, بأن منصة الغاز العائمة التي جاري العمل عليها في ميناء خور الزبير ستبدأ العمل في 1/6 الا اننا لم نشاهد أي نقل تليفزيوني لأي احتفالات او قص شريط من قبل رئيس الوزراء او وزير النفط او وزير الكهرباء إيذانا ببدء عملها! حيث يبدو ان منصة الغاز العائمة التي قرر مجلس الوزراء العراقي الاستعانة بها للتعويض عن أي نقص او حظر على شراء الغاز الإيراني و/او لتنويع مصادر الغاز الذي هو هدف استراتيجي، لا تزال “هائمة” ليس بين بحار العالم وموانئه, بل بين تصريحات المسؤولين وبيانات الجهات الحكومية المختلفة وتحليلات الخبراء!
فبتأريخ 28/02/2025 قال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني لوكالة NRT “الوزارة بصدد (استيراد) منصة عائمة لتوريد الغاز بهدف سد الحاجة المطلوبة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية”
وبتأريخ 09/03/2025 وفي اثناء الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء الخاص بمتابعة تنفيذ مشاريع القطاع النفطي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء قام وزير النفط باستعراض “ومناقشة المنصات العائمة والمتحركة، وما (قدمته الشركات من عطاءات بهذا الشأن)”
وبتأريخ 10/03/2025 نشرت وكالة رويترز تقريرا حصرياً بعنوان “بعد التحرك الأمريكي بشأن تجارة الطاقة بين العراق وإيران، بغداد تتطلع إلى استبدال الغاز الإيراني” نسبت به إلى رئيس شركة غاز الجنوب SGC حمزة عبد الباقي قوله “كلفت الحكومة وزارة النفط بإيجاد بدائل، وأضاف أنه (سيتم توقيع اتفاقية) محطة الغاز الطبيعي المسال مع شركة بريز للاستثمار/ إنفستمنت Breeze Investment(BI) الإماراتية في نهاية اذار.
وبتأريخ 11/03/2025 نشر تليفزيون عراق 24 على حسابه على منصتة, ما يلي “مصدر نفطي عراقي لـ ”عراق 24 ” ردًا على تقرير رويترز حول استيراد الغاز: الحديث عن توقيع اتفاقية لتأجير المحطة العائمة مع شركة “بريز إنفستمنت” قبل حزيران المقبل غير دقيق وغير صحيح لأسباب فنية ولوجستية”.
هذا بالإضافة إلى تصريح مسؤول عالي المستوى في وزارة الكهرباء العراقية، المهندس سعد جاسم، إلى صحيفة المونيتور “العراق ينشئ (محطتين) عائمتين للغاز الطبيعي المسال في منطقة خور الزبير جنوب البلاد” وأضاف “إذا تمكنا من نصب وحدة (ثالثة)”,
يدل تصريح وزير النفط حول “(استيراد) منصة غاز عائمة” او ما يعرف عالميا ب “وحدة خزن وأعاده تغويز عائمة Floating Storage Regasification Unit (FSRU)” وتصريح رئيس شركة نفط الجنوب “سيتم توقيع اتفاقية محطة الغاز الطبيعي المسال ان السادة المسؤولين عن موضوع استئجار المنصة العائمة هم بعيدين كل البعد عن مجال استئجار منصات الغاز العائمة، حيث لا يمكن استئجار Chartering “وليس استيراد Import كما يقول الوزير” بأي وقت يشاء العراق وبأي عدد منها، واحدة، اثنين، او ثلاثة, حيث ان عدد منصات الغاز العائمة العاملة حول العالم هو بحدود 52-54 منصة, غالبيتها العظمى ان لم يكن جميعها مستأجرة زمنيا Time Charter لمدد طويلة تتراوح بين 5-15 سنة, وتعمل في موانئ العالم المختلفة. أما بالنسبة الى تصريح المهندس سعد جاسم حول ان “العراق ينشئ محطتين عائمتين للغاز المسال وإذا تمكنا من نصب وحدة ثالثة” فيعود على الأكثر على عدم علمه بأن بناء منصة غاز عائمة جديدة يستغرق بين 2.5-3 سنة بينما يستغرق تحوير وتحويل ناقلة غاز مسال LNG Carrier إلى منصة غاز عائمة الى 1.5-2 سنة وحسب توفر مسفن Shipyard مناسب لبناء هكذا منصات عائمة, ثم ان العراق ليس لديه الإمكانيات الهندسية والفنية لبناء حتى زوارق صيد بسيطة فكيف يستطيع بناء منصات غاز عائمة!
كما اننا لم نسمع عن أي دعوات للحكومة لتأهيل للشركات المتخصصة الراغبة، او مناقصات طرحت او استعلام في سوق تأجير المنصات العائمة كما اننا لم نجد، خلال بحثنا، عن أي تواصل مع مالكي ومشغلي المنصات العائمة، وخاصة الكبار منهم، الذي يتراوح عددهم بحدود 10-12 شركة عالمية, الكبرى منها شركات نرويجية وأمريكية, لتقديم عروضهم لاستئجار منصة غاز عائمة منهم، أو ان هناك أي استعلام طرح في سوق استئجار مثل تلك المنصات إلا استعلام واحد نشره احد الاشخاص على احد المواقع، ولم يكن هذا الاستعلام، لمن لديهم خبرة في مجال استئجار السفن, الا عبارة عن استعلام خالي من أي معرفة وحرفية ومهنية بهذا المجال, بل عبارة عن محاولة أراد صاحبها استباق الأمور على امل تحقيق مكاسب مادية.
لذا على العراق, إذاا إذا كان جادا في استئجار منصة غاز عائمة بأقرب وقت الاتفاق مع احدى شركات الوساطة البحرية Ship’s Brokers العالمية المتخصصة وتكليفه اما بالذهاب الى سوق السفن والمنصات العائمة للبحث عن احدى المنصات العائمة التي ربما انتهى او سوف ينتهي عقد استئجارها قريبا ومحاول استئجارها بأفضل عقد استئجار Charter Party ممكن, او, وهذا هو الأفضل, الاتصال المباشر بأحدى تلك الشركات ال 10-12 العالمية التي تملك وتدير وتؤجر مثل تلك المنصات, مثل Hoegh LNG او BW LNG النرويجيتان او Excelerate Energy الامريكية, ويستحسن, ربما لأسباب سياسية, إعطاء الأفضلية للشركة الامريكية, فيما اذا كانت شروط عقد الاستئجار متقاربة. وتتراوح قيمة الاستئجار اليومي منصات الغاز العائمة، حسب حجم تخزينها، طاقتها التغويزية، عمرها ……، بين 100 إلى 150 إلف دولار في اليوم الواحد وربما أكثر.
اذا ما أراد العراق تنويع مصادر الغاز عليه التعلم من مصر في كيفية اتخاذ القرارات والعمل بسرعة فائقة في سوق تأجير السفن والمنصات العائمة الذ ي يتميز بالسرعة, حيث لجأت, بعد ان تحولت من بلدا مصدرا للغاز الطبيعي الجاف عبر الأنابيب والغاز المسال, الى بلدا مستوردا له, فبعد أن كان لدى شركة الغاز المصرية EGAS منصة عائمة واحدة هي Hoegh Galleon النرويجية الراسية في ميناء عين السخنة على البحر الأحمر وقبل انتهاء عقدها بعدة اشهر قامت باستئجار منصة الغاز العائمة Golar Eskimo التي كانت مستأجرة من قبل شركة الكهرباء الأردنية NEPCO والراسية في ميناء العقبة منذ سنة 2015 والتي سينتهي عقد استئجارها في هذا الشهر, شهر حزيران 2025، لمدة 10 سنوات, حيث سيتم إرسائها أيضا في ميناء عين السخنة المصري، بعد تغيير اسمها إلى Energos Eskimo. كما قامت في شهر شباط الماضي باستئجار منصة الغاز Energos Power بعد ان قامت الشركة المستأجرة السابقة لها Deutsche ReGas بأنهاء عقد هذه المنصة قبل موعده بسنوات مما جعلها متوفرة للاستئجار. وعندما قامت إسرائيل الشهر الماضي بتخفيض امدادات الغاز الى مصر بنسبة 60% وطالبت في الوقت ذاته برفع سعر الغاز 25% للضغط على مصر لتمرير تهجير سكان غزة الى مصر, قامت شركة EGAS المصرية مباشرة بالتفاوض مع الشركة التركية المالكة لاستئجار المنصة العائمة Ertugrul Gazi لتوفير البدائل وسد هذا التخفيض الكبير.
ولكن بعد كل هذا جاءت المفاجأة! حيث نشرت مجلة Middle East Economy Survey (mees) الأسبوعية خبرا قبل يومين قالت فيه “فقدت خطط استيراد الغاز الطبيعي المسال الزخم بسبب فشل العراق في تأمين وحدة تخزين وإعادة التغويز عائمة (FSRU) وكانت لجنة الطاقة الوزارية تراجع عرضا واحداً فقط من شركة بريز إينفستمنت، وهي شركة غير معروفة مقرها الإمارات، على الرغم من تلقيها على الأقل عرضاً واحداً من شركة أكثر مصداقية. لقد أدت المخاوف بشأن الأسعار إلى إبطاء التقدم، مما أدى إلى تأخير التوصية النهائية إلى مجلس الوزراء. كان اللجوء إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال قبل موسم الصيف الذي يشهد طلبًا مرتفعًا دائمًا بمثابة فرصة ضئيلة، ومن المؤكد أن الفشل في تأمين الكميات سيؤدي إلى انقطاع الكهرباء على نطاق واسع في الأشهر المقبلة. لقد تفاقمت معاناة العراق في مجال الكهرباء بسبب الحظر الأمريكي على المدفوعات الخاصة باستيراد الكهرباء من إيران, وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى في 26 مايو إن جميع الخطوط الأربعة التي تغذي ما يصل إلى 1.2 جيجاوات من الكهرباء متوقفة الآن.”