2025 عام الحرب والسلام

بقلم/ حسين الاطرقجي باحث في الشأن الامني
يقول المفكر العسكري كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب ” أن الحرب وجه من وجوه السياسة” وهي ليست فرضية بالطبع بل نظرية علمية استطاع كلاوزفيتز عبرها دراسة الحروب بأبعادها واهدافها المختلفة للوصول الى قاسم مشترك من بينها هو أن تعثر السياسات والمفاوضات يستدعي قيام الحرب للوصول الى الاهداف وتحقيق المصالح.. وفي العصر الحديث يمكن ترجمة المناورات بأنها اليات آنية لحروب قادمة على مديات زمنية مختلفة، للمناورات الحربية أبعاد استراتيجية وعسكرية، منها إظهار القوة العسكرية والتكنولوجية للبلد المناور الدفاعية منها والهجومية، وتعزيز مكانة الدول في المجتمع الدولي الذي يقود او يشارك في الحروب الحالية فضلا عن كونها اوراق قوة تطرح على طاولة التفاوض بحكم المتغيرات المتسارعة والاحتمالات الخطرة المفتوحة، كذلك أن دولا مهمة حليفة للقوى الكبرى مثل تركيا طرحت اسلحتها الحديثة المعلن عنها كورقة اعتماد لدى البيت الابيض لحين وصول ترامب للسلطة، ذات الوقت شهدت المنطقة سباق تسليح دفاعي وقائي تحسبا لامتدادات وتداعيات الصراع عليها، اذ تميز هذا العام منذ ايامه الاولى بسمة واضحة هي السلاح للتفاوض والردع والحرب تماشيا مع الشعار الابرز لبرنامج الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترمب “القوة لفرض السلام”.
بدءا.. صدارة الاخبار العالمية اجرت الولايات المتحدة مناورات ثلاثية بين كلٍ من (اميركا، كوريا الجنوبية، اليابان” ما اثار غضب واستفزاز كل من الصين وكوريا الشمالية، اذ اعربت كوريا الشمالية عن رفضها لهذا المناورات تحت تبرير تهديد الامن القومي في المنطقة لتستعرض ترسانتها البالستية فرط صوتية “هايبر سونيك”، الامر الذي دعا الصين الى الرد بمناوراتها الخاصة معلنة عن اجيال جديدة ومتطورة عن الة الحرب الصينية فضلا عن اعتزام الصين اجراء مناورات عسكرية قريبا مع الجانب الروسي في خليج عمان، في الوقت ذاته رصدت تايوان تهديدا عسكريا متمثلا بدوريات قتالية للسفن الحربية الصينية، ومن الناتو اذ اعلن نيته بإجراء مائة مناورة عسكرية خلال العام الجاري، في إشارة ضمنية الى مخاطر إتساع الحرب الدائرة بين (روسيا واوكرانيا) أو ولادة حروب وصراعات هجينة في اوروبا، وفي الشرق الاوسط تحديدا، استهلت ايران المناورات الخاصة بهذا العام 2025 منذ الرابع من كانون الثاني بمناورات متعددة، الاولى مناورة (الرسول الاعظم 19” الدفاعية الهجومية ومناورة “أقتدار 1401” الدفاعية لحماية المنشآات النووية فضلا عن اعلانها عن المدينة الصاروخية الدفاعية في باطن الارض، تلتها تركيا بمناورات “الوطن الازرق” في بحر إيجة والبحر الاسود وشرق البحر المتوسط ومناورات “عنقاء الاناضول” بمشاركة قطر واذربيجان وقبرص… الخ من المناورات في المنطقة والعالم.
هذه المعطيات هي للاستدلال بصورة خاصة وليست للقياس، فالقياس افتراضا يشير لحروب كبرى وهذا ما يُستبعد سياسيا على الاقل بهذه الفترة، بينما الاستدلالات كبيرة على استعراض العضلات العسكرية اذ انه بالاساس لا تقوم الحرب المباشر بين العروش الكبرى إنما تُمارس بالانابة بين الدول الاقل تأثيرا على المشهد أو من خلال القوى الانفصالية والجماعات المُتطرفة وربما سياسات الضغط القصوى التي مارستها الولايات المُتحدة على روسيا وايران مثال على ذلك، لكن اللافت في الامر هو صراع الممرات الاقتصادية كالحزام والطريق الصيني العالمي مقابل مشروع الممر الاقتصادي الاسيوي الاوروبي المدعوم أمريكيا، ويضاف الى ذلك ان مراحل الهدنة والتفاوض الدائرة تمتاز بالهشاشة وهي عرضة للنقض والتقويض على وجه الخصوص ان تاريخ الحروب يستدل ويبرهن على ان الحروب كافة هي في الاساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة، ناهيك عن معادلة القوة العسكرية والتحالفات والاطماع الاقتصادية التي تتكامل مع بعضها البعض فتنتج عنها ساعة الصفر الحربية، شعار السلام الامريكي قد يحمل في ابعاده وتداعياته حروبا أخرى في المنطقة خاصة الشرق الاوسط، على اعتبار ان المزاج العالمي لا يكترث سوى للمصالح ولا ينظر الى المستقبل بنظرة الهندسة السياسية وهو في الحقيقة يبحث عن توازنات القوى لا عن حلول مستدامة ما يُعرف بالتوازنات الحرجة، أما الدرس الذي تعلمته الادارة الاميركية وحفظته جيدا هو درس الاتحاد السوفيتي عبر الكسندر أرباتوف المستشار الدبلوماسي لغورباتشوف قبيل تفكك الاتحاد، حين وجه رسالة للغرب قال فيها: ” سنقدم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم من وجود عدو”.