بوادر حُكـم الأغلبية!
بقلم .. مجاشع التميمي |..
لم تكن مصادفة، بقدر ما هو عمل سياسي عميق ومخطط بإدارة جديدة من قبل بعض القيادات الشيعية داخل الاطار التنسيقي، لإبقاء رئاسة مجلس النواب تحت تصرف المكون الأكبر، وهي بداية لتغيير قواعد العملية السياسية في العراق، حيث بدأت هذه القوى السياسية تشعر بامكانية أن تستحوذ على المناصب المهمة في الدولة، بما فيها الرئاسات الثلاث، يدعمها في هذا التوجه حجمها البرلماني الذي يصل إلى نحو 200 نائب، والذي يشكل نحو ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب .
هذا ما تحدث به القيادي الشيعي المقرب من الاطار التنسيقي السيد بهاء الأعرجي، وهو أحد القادة البارزين ضمن الجيل السياسي الأول الذي تأسس بعد العام 2003، وعضو الائتلاف العراقي الموحد الذي كان يتزعمه الراحل السيد عبد العزيز الحكيم، فقد اعلن صراحة أن السيد الحكيم كانت لديه رغبة بالحصول على السلطات الثلاث باعتبار أن المكون الشيعي صاحب الأغلبية، وبالإمكان منح باقي المكونات مناصب أخرى كوزراء ودرجات خاصة، وهذه الرغبة ربما بدأت تفرض نفسها اليوم على الواقع السياسي، مستفيدة من فشل القوى السياسية السنية في توحيد موقفها وحل انقساماتها الداخلية.
لكن هذا الرؤية، التي تتبناها بشكل غير معلن، بعض قوى الإطار، ليس بالضرورة ان تمثل جميع الأحزاب الشيعية الاطارية، لكنها رؤية جديدة للتوجه نحو الأغلبية السياسية، لكن بطريقة مختلفة تماماً عن رؤية السيد مقتدى الصدر التي دعا اليها عام 2021 كما تختلف عن رؤية السيد نوري المالكي الذي كان يرغب بمجيء شخصية سنية مقربة من الشيعة لإدارة منصب رئيس مجلس النواب وسياسي كردي حليف لرئاسة الجمهورية.
هذه المقدمة ترجح فرضية أن بقاء السيد محسن المندلاوي رئيسا للمجلس بالإنابة لم يكن صدفة أو نتيجة للخلافات السنية، بل هو مشروع سياسي مخطط له وفق رؤية جديدة، تعود جذورها إلى العام 2005، وهي محاولة تقودها بعض الأطراف الشيعية لإصلاح ما يرونه خطأ استراتيجياً اتخذ سابقاً بناءً على ضغوط أمريكية وإقليمية.
السيد المندلاوي، الذي يعوض الشغور في منصب الرئاسة، منذ أكثر من ستة أشهر، أقنع جميع الكتل السياسية انه لا أمل قريباً في حل هذه الأزمة خاصة مع تراجع الدور الإقليمي والدولي، وعزوف الفواعل الخارجية عن التدخل لحلها. وهو ما يمهد الطريق أمام الرئيس بالانابة للمضي في ادارة الجلسات وممارسة الدور الرقابي والتشريعي، بموافقة سنية ورغبة شيعية، فهو الخيار الافضل لحزب تقدم من صعود منافس من القوى السنية الاخرى، الأمر الذي يفضله ايضاً معارضو السيد محمد الحلبوسي من كتل (العزم والسيادة وحسم).
هذا الخلاصة ترسخ مقولة المستشار البروسي أوتو فون بسمارك، الذي وصف السياسة بأنها «فن الممكن»، و رغم ان هذا التعبير يحمل العديد من التأويلات، أكثرها تناقضا أن تحقيق الغاية سيكون نسبياً عندما لا تكون ممكنة، والوصول إلى بعض الهدف هو هدف في حد ذاته.