عشية الانتخابات .. ظهور لافت لقائد جهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي: فماذا قال؟

متابعات|
في ظهور لافت واستثنائي، قدّم القائد السابق لجهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول ركن عبدالوهاب الساعدي رؤية شاملة عن واقع الجيوش الحديثة وحروب المستقبل، وسط سباق محموم بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ، محذراً من أن التطور التكنولوجي الهائل في مجالات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والفضاء السيبراني قد يجعل الحروب القادمة مختلفة جذرياً عن كل ما عرفه العالم سابقاً.
وفي حوار خاص مع الزميل عامر إبراهيم وتابعته “منصة جريدة”، تحدث الساعدي بإسهاب عن معالم التحولات العسكرية في العالم، محدداً ثلاثة أعمدة أساسية باتت تشكل جوهر أي جيش متطور وهي العمليات الخاصة، والعمليات الجو فضائية، والأمن السيبراني. وقال إن الاستراتيجيات العسكرية الحديثة صيغت على مدى عقد كامل بين عامي 2020 و2030 اعتماداً على معلومات استخباراتية دقيقة وتوقعات لما سيحدث في العالم، وقد صدقت كثير من هذه التنبؤات مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وأحداث 7 أكتوبر ومعارك أرمينيا وأذربيجان، وحرب لبنان الجنوبية، والمواجهة الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة.
وبيّن أن الجيوش الكبرى باتت تعتمد على قوات صغيرة الحجم عالية التدريب قادرة على تنفيذ عمليات نوعية تعادل ما تقوم به فرق عسكرية كاملة، مشيراً إلى أن الروس استخدموا قوات “فاغنر” في أوكرانيا بنفس الطريقة التي استخدم بها الأميركيون قواتهم الخاصة في اغتيال قادة تنظيمات إرهابية مثل البغدادي والظواهري، فيما اعتمدت إسرائيل على عمليات الاغتيال والتخريب ضد العلماء الإيرانيين. وأضاف أن الفضاء الجوي تحول إلى الميدان الأكثر حساسية في الحروب الحديثة، حيث تبدأ المعركة من الطائرة المسيّرة وتنتهي بالقمر الصناعي، مروراً بالصواريخ الفرط صوتية والطائرات الاستراتيجية مثل “بي-52″، أما الأمن السيبراني فقد أصبح سلاحاً موازياً للجيوش النظامية من حيث القدرة على إحداث شلل كامل في منظومات الدول.
ماذا عن القوات البرية؟
وشدد الساعدي على أن هذه التطورات لا تعني الاستغناء عن القوات البرية والبحرية، لكنها تفرض إعادة هيكلة لمفهوم القوة العسكرية وفق طبيعة كل صراع، مؤكداً أن العالم اليوم يعيش مرحلة تحالفات جديدة تتجاوز فكرة الحرب المنفردة. وقال إن القرن الماضي شهد وجود حلفين متقابلين هما الناتو ووارسو، لكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي انضمت دول المعسكر الشرقي السابق مثل بولندا والتشيك إلى الناتو الذي بات يضم 32 دولة، في وقت برزت فيه الصين كقوة عظمى صاعدة وروسيا كدولة تملك ترسانة نووية هائلة، إلى جانب إسرائيل والهند وباكستان وإيران وكوريا الشمالية التي تمتلك أو تسعى لامتلاك السلاح النووي.
ورأى الساعدي أن التطور التكنولوجي يشكل سلاحاً ذا حدين، موضحاً أن حلف الناتو يسعى لإنشاء ما يُعرف بـ”الجدار الأوروبي” وهو منظومة مراقبة جوية بالطائرات المسيّرة تمتد على طول الحدود مع روسيا بمسافة ثلاثة آلاف كيلومتر، بهدف التصدي لأي هجمات مفاجئة، لكنه في الوقت ذاته يكرّس سباقاً جديداً بين القدرات الهجومية والدفاعية يعتمد على الذكاء الاصطناعي في كشف وتحييد التهديدات قبل وقوعها، مشبهاً ذلك بالسباق التاريخي بين الدروع ومقاتلات الدروع في الحروب السابقة.
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، أوضح الساعدي أن موسكو كانت قد بنت توقعاتها على معلومات استخباراتية غير دقيقة حين بدأت الهجوم في فبراير 2022، معتقدة أنها ستصل إلى كييف بسرعة وتشكل حكومة موالية لها، غير أن طول خطوط الإمداد وصمود الجيش الأوكراني جعل المعركة تستنزف الطرفين وتدخل عامها الرابع دون حسم. وقال إن كلفة الحرب تجاوزت مئة مليار دولار لكل طرف، وخلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، متوقعاً ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول أن تتجه روسيا وأوكرانيا إلى مفاوضات طويلة بشروط متبادلة، أبرزها بقاء الأراضي بيد الروس وتأجيل انضمام كييف للناتو، والثاني استمرار الحرب لسنوات على غرار الحرب العراقية الإيرانية، والثالث وهو الأخطر يتمثل في تجاوز أحد الطرفين قواعد الاشتباك واستخدام أسلحة دمار شامل، ما قد يفتح الباب أمام حرب عالمية جديدة.
مواجهة إيران وإسرائيل
وعن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً، وصفها الساعدي بأنها “حرب غير مسبوقة” استُخدمت فيها تقنيات عالية، وقال إن إسرائيل وجّهت في يومها الأول ضربات موجعة أسفرت عن مقتل رئيس الأركان الإيراني وقائد الحرس الثوري وقائد القوة الجو-فضائية ومعاونيهم، لكن طهران أظهرت سرعة في تعويض خسائرها واستأنفت القتال بإطلاق أكثر من 600 صاروخ بعضها فرط صوتي. وأكد أن إيران تفوقت بالقوة الصاروخية، فيما تفوقت إسرائيل بالقوة الجوية والدقة الاستخباراتية، مبيناً أن الحرب لم تنتهِ فعلياً بل توقفت مؤقتاً، وأن جولة جديدة قد تندلع خلال الأشهر المقبلة بمجرد اكتمال المنظومات الدفاعية الإسرائيلية.
وتحدث الساعدي عن مفهوم “دوائر النار” الذي اعتمدته إيران في عقيدتها العسكرية لمواجهة إسرائيل، موضحاً أن الدائرة الأولى تتمثل بحركة حماس في غزة، والثانية حزب الله في جنوب لبنان، والثالثة مرتفعات الجولان، والرابعة الحوثيون في اليمن، والخامسة الفصائل العراقية. وأشار إلى أن بعض هذه الدوائر لم تُفعّل خلال الحرب لأسباب سياسية، وأن إسرائيل نجحت لاحقاً في عكس المعادلة واستهداف هذه الجبهات تباعاً، من الجنوب اللبناني إلى اليمن والعراق.
وفيما يتعلق بمعركة تحرير الموصل، قال الساعدي إن حرب المدن تُعدّ الأصعب في التاريخ العسكري، مضيفاً أن معركة الموصل كانت من أبرز النماذج الناجحة لأنها اعتمدت على مبادئ أساسية أهمها حماية المدنيين، وتقليل الخسائر في القطعات، والحفاظ على البنى التحتية، وإنجاز التحرير بزمن قياسي رغم اتساع المدينة وكثافة سكانها. وأشار إلى أن جهاز مكافحة الإرهاب قاتل في معارك الأنبار والفلوجة وتكريت قبل الموصل، ما أكسبه خبرة ميدانية متراكمة، مبيناً أن الجهاز لم يُنشأ أصلاً للقتال داخل المدن بل لمكافحة الإرهاب، لكنه اضطر للتكيف مع الظروف بعد عام 2014 ونجح في أداء المهام الموكلة إليه.
وأكد الساعدي أنه خلال فترة قيادته للجهاز عمل على تطوير قدراته وتوثيق الدروس المستنبطة من المعارك في مناهج تدريبية حديثة، وسعى لتأسيس أكاديمية عالمية لتدريب القوات الخاصة، مع خطط لتشكيل جناح طيران، وتطوير منظومة الأمن السيبراني، وإنشاء وحدة بحرية لمعالجة القرصنة، ليبقى الجهاز مكرساً لمهمته الأساسية في مكافحة الإرهاب حصراً.
واقع الجيش العراقي
وحول واقع الجيش العراقي، قال الساعدي إن الجيش يمتلك تاريخاً يمتد لأكثر من قرن وهو العمود الفقري للدولة، لكنه بعد 2003 انشغل بمهام مكافحة الإرهاب على حساب بناء عقيدة قتالية متكاملة، مؤكداً أن الوقت حان لوضع خطة تسليح واضحة وطويلة الأمد تعتمد على التنويع المنطقي للمصادر بما ينسجم مع العقيدة الدفاعية للدولة. وأشار إلى أن العراق بدأ فعلياً بتحديث دفاعاته الجوية عبر صفقات مع فرنسا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، لكنه لا يزال بحاجة إلى منظومة متكاملة في القيادة والسيطرة والتدريب.
وبيّن الساعدي أن العراق يحتاج إلى جيش محترف بعقيدة واضحة ومهام محددة لحماية الأرض والسماء والمياه، وأن المرحلة المقبلة تتطلب تحديد ساحات عمل الأجهزة الأمنية لتفادي التداخل في الصلاحيات، مستشهداً بمحافظة نينوى التي تضم عدة قيادات عمليات وأجهزة مختلفة دون قيادة موحدة.
وحول احتمالية استهداف القدرات العراقية من قبل إسرائيل، قال الساعدي إن التفوق الجوي الإسرائيلي واضح، وإن أي ضربة محتملة على مواقع نفطية أو صناعية ستؤثر على العراق بأكمله، مؤكداً أن الحكومة العراقية تمكنت حتى الآن من تجنب الانجرار إلى الصراع بفضل التنسيق مع التحالف الدولي والفصائل المسلحة، لكنه شدد على ضرورة الإسراع في تطوير منظومة الدفاع الجوي وبحث خيار الدخول في تحالف دفاعي إقليمي مؤقت إذا اقتضت الحاجة، شرط أن يُبنى على المصالح المشتركة لا التبعية.
وختم الساعدي حديثه بالتأكيد على أن العراق بحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة للأمن القومي تمتد لعشر سنوات على الأقل، لا لخمس كما هو معمول به حالياً، تتضمن أولويات حماية السيادة وبناء القدرات، ومعالجة التهديدات الداخلية مثل الإرهاب والفساد والسلاح المنفلت وأزمة المياه، إلى جانب التهديدات الخارجية، مشدداً على أن الدولة لا تُحترم بلا جيش قوي، ولا تُهاب ما لم تمتلك منظومة دفاعية حديثة وعقيدة وطنية واضحة.



