التحوّل السياسي بعد الانتخابات المقبلة: ملامح التوازن الشيعي وإعادة تشكيل مراكز النفوذ

✍: خالد الغريباوي

تشهد العملية السياسية في العراق اقترابًا من مرحلة تحوّل جوهرية مع اقتراب الانتخابات المقبلة، إذ تتجه البيئة الحزبية والتحالفية نحو إعادة فرز واسعة داخل المكوّن الشيعي، ما سيؤدي إلى ظهور توازنات جديدة تُعيد رسم معادلة السلطة والنفوذ. فالمعطيات الميدانية تشير إلى أن مرحلة ما بعد الانتخابات لن تشبه ما قبلها، وأن القوى السياسية ستدخل طورًا جديدًا من إعادة التموضع الاستراتيجي داخل المشهد الوطني.
في هذا السياق، يبدو أن الإطار التنسيقي، بوصفه مظلة جامعة للقوى الشيعية الرئيسة، لن يبقى على صورته الحالية، بل سيتحوّل إلى اتجاهين متمايزين في الرؤية والمنهج:
الاتجاه الأول يقوم على مشروع الدولة والإعمار، وتعزيز مفهوم الشرعية الشعبية عبر المنجز الواقعي والحوكمة الفاعلة،
في حين يعتمد الاتجاه الثاني على الأسلوب التنظيمي والتاريخ السياسي وشبكات النفوذ التقليدية التي كانت فاعلة في المراحل السابقة.
هذا التحوّل لا يُعدّ مجرد اختلاف في وجهات النظر أو منافسة انتخابية محدودة، بل يمثل تحولًا بنيويًا في القيادة الشيعية السياسية، يعكس انتقالها من مرحلة “التمثيل الجماعي” إلى مرحلة “التنافس الداخلي على قيادة الدولة”.
وبناءً على هذا التغيّر، يُتوقع أن تشهد الساحة إعادة اصطفاف بين القوى الشيعية، بحيث تنحاز الزعامات إلى الاتجاه الأكثر تأثيرًا وواقعية في إدارة الدولة ومؤسساتها.
إلى جانب ذلك، تُرجّح المعطيات أن تتجه البلاد نحو تشكيل حكومة أغلبية سياسية قائمة على تحالف ثلاثي من القوى الشيعية والكردية والسنية ذات النفوذ الأكبر، مع وجود معارضة سياسية محدودة تضم أطرافًا ثانوية من هذه المكونات.
ويُعدّ هذا السيناريو، في حال تحققه، تحولًا مهمًا في التجربة الديمقراطية العراقية، إذ ينقل النظام السياسي من مرحلة التوافقات الشاملة إلى مرحلة الحكم والمعارضة، ما يعزز إمكانية نشوء بيئة تنافسية صحية قائمة على الأداء والنتائج.
إنّ الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد سباق انتخابي تقليدي، بل اختبارًا حقيقيًا لإعادة تعريف الهوية الشيعية السياسية في العراق، وتحديد الاتجاه الذي سيقود الدولة خلال السنوات المقبلة.
فالمرحلة القادمة ستفرز توازنًا جديدًا داخل المكوّن الشيعي، وستعيد ترتيب العلاقة بين مراكز القرار، لتصبح الشرعية الشعبية والمنجز الملموس هما معيار القوة الجديد، بدلًا من الاعتبارات الرمزية أو التاريخية.
ختامًا، يمكن القول إن العراق مقبل على إعادة تشكّل مركز الثقل السياسي الشيعي، وولادة معادلة جديدة عنوانها:
القوة لمن يملك القدرة على بناء الدولة وخدمة المجتمع، لا لمن يكتفي بخطاب الشعارات والماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار