بين الحقيقة والخيال: كيف يصنع الإعلام صورة المتسولين؟

رؤى أحمد شهاب

في عالم يتصارع فيه الناس مع الأرقام والأساطير، تبرز صورة المتسولين كإحدى الظواهر الاجتماعية التي تشغل بال الجميع. لكن، هل تساءلت يومًا كيف تُصنع هذه الصورة في الإعلام؟ بين الاستغلال والتعاطف، بين الحقيقة والخيال، يأخذنا الإعلام في رحلة تؤثر في نظرتنا للتسول وتجعلنا نعيد التفكير في دوافعه وأسبابه. في هذا المقال، سنستكشف كيف يُمكن للإعلام أن يُشكل صور المتسولين، وما الأبعاد النفسية والاجتماعية التي تكمن وراء تلك الصور.

الإعلام هو أداة قوية تؤثر في إدراك المجتمع وتوجهاته. حينما نتحدث عن المتسولين، نجد أن الإعلام غالبًا ما يلتقط صورًا عاطفية تُظهرهم كمستحقين للشفقة، مما يُعزز تصور الضحية الذي يحتاج إلى الإنقاذ. لكن، هل يتناول الإعلام الجوانب الكاملة لهذه الظاهرة الاجتماعية؟ تكتفي الكثير من التقارير بإظهار العجز، مُتجاهلة السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تساهم في ظهور هذه الظاهرة، مما يعكس صورة مشوهة عن الواقع.

صورة المتسولين في الإعلام ليست مجرد نقل للواقع، بل هي بناء يرتكز على اختيارات المحررين الذين يقررون ما يجب أن يُظهر وما يجب أن يُخفى. من خلال التركيز على قصص نجاح فردية لمتسولين قُدّموا كأبطال، يُمكن للإعلام أن يُلهم، لكنه وقد يقوم بنقل رسالة خاطئة تدفع المجتمع إلى الاعتقاد بأن الحلول سهلة ومتاحة للجميع.

كما أن التوجيهات السلبية، مثل ربط التسول بالجريمة أو المظهر غير اللائق، تؤدي إلى وصم المتسولين وتزيد من الفصل الاجتماعي. في العديد من الأحيان، يتم تصويرهم بأنهم يختارون هذا المسار دون النظر إلى الظروف القاسية التي دفعتهم إلى ذلك، مما يخلق فجوة بين المروءة الإنسانية والواقع القاسي.

من الجدير بالذكر أن هناك تجارب إنسانية مؤثرة يمكن أن تظهر قدرتهم على التغلب على صعوبات الحياة. لكن، في كثير من الأحيان، يُستغل هؤلاء الأفراد في سياقات تجارية، حيث يتم تصويرهم لأغراض تجارية أو إعلانات تستغل تعاطف الجمهور، مما يجعل من التعاطف أداة ربحية بعيدة عن المنظور الإنساني.

في نهاية المطاف، يجب علينا كمجتمع أن نتساءل: كيف نستطيع تغيير الصورة النمطية للمتسولين في الإعلام؟ ينبغي أن نُعيد صياغة القصص بشكل يُحترم إنسانيتهم ويُظهر الحقيقة بأبعادها الكاملة. إن تحدي النمط الإعلامي الحالي يحمل أهمية بالغة في تعزيز الوعي العام، وفي العمل على حلول حقيقية تُسهم في تحسين أوضاع هؤلاء الأفراد. قد يكون من السهل الخلط بين الحقيقة والخيال، لكن من واجبنا أن نسعى دائمًا نحو الحقيقة، وأن نشجع الإعلام على تصوير الواقع بقلبه وعقله، وليس برؤية ضيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار