غربلة انتخابية غير مسبوقة.. استبعاد مئات المرشحين يربك المشهد ويُشعل الجدل (تقرير جريدة)

آخرهم سجاد سالم

خاص| 

تشهد الساحة السياسية العراقية واحدة من أعقد مراحلها الانتخابية منذ 2003، بعد أن أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استبعاد مئات المرشحين من السباق النيابي المقرر في تشرين الثاني المقبل، بينهم شخصيات سياسية بارزة، الأمر الذي فجر جدلاً واسعاً حول خلفيات القرار وتداعياته على المنافسة المقبلة.

المفوضية، وفي بياناتها المتتالية، كشفت عن أرقام غير مسبوقة في حجم المستبعدين. فحتى يوم الأحد (24 آب 2025)، بلغ عددهم 627 مرشحاً لأسباب تراوحت بين المساءلة والعدالة والقيود الجنائية والتزوير والقرارات القضائية.

وأوضحت أن 290 مرشحاً شُملوا بإجراءات اجتثاث البعث، فيما أُقصي 106 مرشحين بسبب قيود جنائية، إضافة إلى 15 مرشحاً بقرارات من مجلس القضاء الأعلى، وقرابة 160 مرشحاً جرى استبدالهم بطلبات رسمية من كتلهم.

هذه الأرقام عُدّت الأعلى منذ خمس دورات انتخابية مضت، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستخلو من أسماء اعتاد الشارع العراقي على وجودها، أو ستشهد طبقة سياسية جديدة بوجوه غير مألوفة.

حالة غريبة وفريدة

وفي حديث لـ”منصة جريدة”، وصف المحلل السياسي علي أغوان ما يجري بأنه “حالة غريبة وفريدة من نوعها”، مبيناً أن هذه الدورة الانتخابية تشهد “غزارة غير مسبوقة في قرارات الاستبعاد مقارنة بالانتخابات الماضية”.

وأضاف أن “الظاهرة قد لا تتوقف عند هذه المرحلة، فمن المحتمل أن تستمر حتى بعد موعد الانتخابات، مع إمكانية ظهور وثائق أو أدلة جديدة تتعلق بمرشحين أو حتى بفائزين لاحقين ضمن ملفات المساءلة أو قضايا جنائية وملفات فساد”.

ورغم أن المفوضية أكدت أن قراراتها قانونية وتستند إلى تشريعات نافذة، إلا أن مراقبين حذروا من أن تتحول موجة الاستبعادات إلى شرارة لصراع انتخابي محتدم، مع انتقال الملفات من السجال السياسي إلى أروقة القضاء ولجان الطعن.

من أبرز الشخصيات التي طالتها قرارات المفوضية: محافظ صلاح الدين الأسبق أحمد الجبوري، ومحافظ نينوى السابق نجم الجبوري، ووزير الداخلية الأسبق جواد البولاني، والقائد الأسبق لجهاز مكافحة الإرهاب الفريق عبد الغني الأسدي، إضافة إلى القاضي وائل عبد اللطيف، وعدد من النواب الحاليين مثل حسن الخفاجي ولقمان الرشيدي.

نواب مثاليين!

من جهته، يقول المحلل السياسي علي السامرائي في حديث لـ”منصة جريدة”، إن خطوات المفوضية “تعكس بنية جديدة تتلاءم مع المتغيرات الداخلية والخارجية”، موضحاً أن الهدف منها “ضمان وصول نواب يتصفون بمعايير مثالية بحسب تقدير المفوضية”. وأضاف أن “إتاحة الاستبدال للكتل السياسية أمر معتاد في كل دورة، لكنه هذه المرة قد يفرز طبقة سياسية جديدة تختلف نوعياً عن الأنماط السابقة، وهو ما يعزز موقع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني برلمانياً ويقلل من نفوذ خصومه في الدورة المقبلة”.

وفي المقابل، أبدت قوى سياسية بارزة دعمها لإجراءات المفوضية، إذ شدد ائتلاف دولة القانون وقوى الإطار التنسيقي على ضرورة منع عودة حزب البعث ورموزه، معتبرين أن التساهل مع هذا الملف “تهديد مباشر لمسار الدولة الديمقراطية واستخفاف بتضحيات العراقيين”.

غير أن أصواتاً أخرى اعتبرت ما يجري استهدافاً سياسياً. ويشير أغوان إلى أن “بعض الجهات قد تستخدم الاستبعاد كأداة لإضعاف خصومها من خلال إثارة دعاوى وتحريك ملفات معينة، وهو ما يعكس بوضوح حجم التدافع السياسي وأثره على المشهد الانتخابي”.

وتوصف الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل بأنها الأكثر شراسة وتنافساً منذ سنوات، خصوصاً مع حالة الانقسام الداخلي بين القوى الشيعية والسنية والكردية.

ويرى مراقبون أن حجم الاستبعادات، إلى جانب طبيعة التحالفات الجديدة، قد يدفع بعض الأطراف إلى استخدام أساليب شرعية وغير شرعية لضرب الخصوم، ما يضاعف من المخاطر المحيطة بالعملية الانتخابية.

المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي أكدت من جانبها أن الاستبعادات “ستقتصر على المرشحين فقط”، مشيرة إلى أن “التحالفات والأحزاب المصادق عليها لا يمكن إقصاؤها”. إلا أن طابع القرارات وحجمها الواسع جعلا الشارع العراقي ينقسم بين من يراها خطوة لتنقية السباق الانتخابي من الشوائب، وبين من يتخوف من استخدامها كأداة لتصفية الخصوم.

وفي آخر هذه الاستبعادات كان قرار إقصاء النائب سجاد سالم عن السباق الانتخابي، حيث أعرب تحالف “البديل”، بزعامة عدنان الزرفي، عن استنكاره، لقرار استبعاد سالم مشيراً إلى أنه يدرس بجدية كافة الخيارات بشأن مشاركته في الانتخابات.

 وقال التحالف في بيان تلقت “منصة جريدة” نسخة منه، إنه “يُعرب تحالف عن استنكاره الشديد لقرار استبعاد النائب سجاد سالم ، أمين عام حزب الاستقلال ونائب رئيس التحالف، وعدد من الشخصيات الوطنية الأخرى من خوض الانتخابات المقبلة”، لافتاً إلى أن “هذا القرار يمثل استهدافاً مباشراً للقوى المدنية والوطنية التي وقفت بوجه الفساد، وسعت لترسيخ الدولة المدنية بعد التغيير 2003”.

 واضاف، أن “هذا الإقصاء لا يطعن فقط بحقوق أفراد، بل يطعن بجوهر العملية الديمقراطية ويحوّل التنافس السياسي إلى عملية انتقائية تُدار بعيداً عن إرادة الشعب، ويرسل إشارات خطيرة عن نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة”.

وبحسب محللين، فإن اتساع دائرة الطعون على هذه القرارات سيؤدي إلى إطالة أمد المعركة الانتخابية، بحيث لا تنحصر في صناديق الاقتراع، بل تمتد إلى المحاكم والهيئات القضائية. وهو ما يعكس هشاشة التوازنات السياسية في العراق، ويجعل مستقبل الانتخابات المقبلة مفتوحاً على كل الاحتمالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار