أسباب وعوامل متعددة.. تقرير كردي يناقش سبب عزوف الفصائل عن الحرب؟

متابعات
رصد تحليل لمركز تفكير كردي ملامح التوازنات الجديدة في العراق خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، معتبرًا أن عدم انخراط الفصائل المسلحة العراقية المرتبطة بطهران في القتال، كان بمثابة اختبار عملي لنفوذ إيران الحقيقي داخل الساحة العراقية، دون أن يُعد ذلك دليلاً حاسمًا على تراجع ذلك النفوذ.
التحليل المطول الذي نشره موقع ” خانەی هزریی كوردستان: مركز تفكير كردستان ” وتابعته “منصة جريدة” (27 حزيران 2025)، أشار إلى أن الحرب التي استمرت 12 يومًا كشفت عن معادلة جديدة في تموضع العراق. فرغم تهديدات سابقة من فصائل شيعية بالرد والدفاع عن طهران، فإن تلك الفصائل التزمت الصمت العسكري، ما أثار انطباعات بأن المشهد العراقي يشهد تغيرًا ملحوظًا.
وسلط التحليل الضوء على الدور الحاسم الذي لعبته مرجعيات النجف في تجنيب العراق الدخول في أتون الحرب. حيث دعا المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني في بيانات متزامنة إلى وقف العدوان على إيران وحلّ الملف النووي سلميًا، دون أن يصدر فتوى تُجيز للمقاتلين العراقيين المشاركة في القتال. بالمثل، أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على ضرورة “إبعاد العراق عن شبح الحروب”، معبّرًا عن رفضه لأي مغامرات عسكرية قد تجر البلاد إلى صراعات خارجية.
وعن الأسباب التي حالت دون انخراط الفصائل المسلحة في الحرب، أورد التحليل مجموعة من العوامل:
الدافع المادي: أوس الخفاجي، القيادي الديني المقرب من التيار الصدري، ألمح إلى أن المصالح المالية للفصائل باتت عائقًا أمام اندفاعها العسكري، مؤكدًا أن “الجيوب الممتلئة” أصبحت تخشى المغامرة.
التهديدات الأمنية: الفصائل واجهت خطر الاختراقات الإسرائيلية المحتملة، كما حدث سابقًا مع الحرس الثوري الإيراني، ما دفعها إلى تقليص أنشطتها وتغيير مواقعها.
الاعتبارات السياسية: التخوف من أن أي فراغ تتركه الفصائل قد يُملأ من قبل التيار الصدري، الذي يسعى إلى العودة القوية للحياة السياسية بعد مقاطعته للانتخابات.
المشهد السني المتغير: مع تصدع النظام السوري وصعود “هيئة تحرير الشام”، تخشى قوى شيعية عراقية من تحول جيواستراتيجي في غرب العراق وسوريا، يفضي إلى اختلال توازن القوى في غير صالحها.
التحليل لفت إلى أن طهران قد تتعمد تأجيل استخدام أوراقها العراقية إلى مرحلة لاحقة، معتبرة أن العراق بات يشكل “الحديقة الخلفية” التي لا يمكن خسارتها بعد تراجع حضورها في سوريا ولبنان.
ورغم امتناع الفصائل عن الانخراط، لا يمكن الجزم بخروج العراق من دائرة النفوذ الإيراني، لكن التحليل رجّح أن طهران لم تعد قادرة على فرض مرشحها لرئاسة الوزراء العراقية كما في السنوات الماضية، وأن هناك مؤشرات على تصدع داخلي في “البيت الشيعي” نفسه.
واستشهد التقرير بموقف السفير البريطاني الأسبق في العراق، ستيفن هيكي، الذي صرّح في ندوة بمركز “تشاتام هاوس” بأن بغداد نجحت حتى الآن في تجنّب الحرب، لكنها ما تزال عاجزة عن ضبط الفصائل المسلحة أو تحييدها كليًا، مشيرًا إلى أن الانفتاح على دول الخليج قد يمثل بوابة الاستقلال الحقيقي للعراق.
وتوقف التحليل أيضًا عند حادثة استهداف رادارات فرنسية في قاعدة التاجي، وهي منظومة اشترتها الحكومة العراقية للمراقبة الجوية، ما يُعتقد أنه جرى على يد فصائل شيعية. وأبرز هذا الحدث اختراقًا خطيرًا لمنظومة القرار الأمني العراقي، مما يُضعف فرضية خروج العراق من العباءة الإيرانية بالكامل.
وفي ختام التقرير، خلص التحليل إلى أن امتناع العراق عن المشاركة في الحرب كشف عن وجود حسابات عقلانية داخلية، تتعلق بموازين القوى، والمخاوف من الفوضى السياسية والأمنية، فضلاً عن صراع خفي داخل المكوّن الشيعي نفسه بشأن موقع العراق في الإقليم. كما بيّن أن طهران، رغم نفوذها العميق، باتت تخشى استنزاف العراق، وتسعى لإبقائه رصيدًا استراتيجيًا لا ورقة محترقة.