البرامج الحوارية في العراق: أزمة محتوى أم أزمة وعي؟

بقلم الدكتور/ هيثم هادي نعمان
عند مقارنة سريعة بين طبيعة البرامج الحوارية في القنوات الفضائية المصرية ونظيراتها في العراق، يتضح تفاوت كبير في نوعية الضيوف وطبيعة الموضوعات المطروحة. في الإعلام المصري، كثيرًا ما تُفتح المنصات الحوارية أمام المفكرين والأكاديميين والمتخصصين في مجالات الفكر والاجتماع والاقتصاد والتاريخ، حيث نجد شخصيات مثل الدكتور مراد وهبة تحلل الظواهر الثقافية من منظور فلسفي، أو الدكتورة نيفين مسعد تضع الظواهر السياسية في إطار تحليلي رصين قائم على خبرة أكاديمية ومعرفة عميقة.
أما في العراق، فالمشهد مختلف إلى حد يُثير القلق. فقد أصبحت البرامج الحوارية محصورة في فلك السياسة، يتناوب على شاشاتها محللون سياسيون أو سياسيون سابقون، في دور مكرر يُغرق الخطاب الإعلامي في الاستقطاب الحزبي والطائفي والإثني. وبدلًا من تحليل الظواهر بعمق أكاديمي أو اجتماعي، تُختزل النقاشات في صراعات آنية وآراء سطحية، تُعيد إنتاج الانقسام ولا تفتح أفقًا معرفيًا أو إصلاحيًا للمجتمع.
إن ما نحتاجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو تغيير بنيوي في طبيعة الخطاب الإعلامي الحواري، يبدأ من نوعية مقدمي البرامج أنفسهم، ويمر عبر اختيار الضيوف، ولا ينتهي إلا بتوسيع دائرة القضايا المطروحة لتشمل ليس فقط الشأن السياسي، بل أيضًا الظواهر الاجتماعية، والتحديات الاقتصادية، والأسئلة الثقافية العميقة، وتحولات الوعي التاريخي.
هذه دعوة لإعلام بديل، يحرر المنصة من قبضة السياسيين، ويعيد الاعتبار للمفكر، والأكاديمي، والباحث، والمثقف المستقل. إعلام يُسهم في تشكيل وعي جماعي جديد، لا يخضع للاستقطاب، بل ينهض على التفكير النقدي، والتحليل المتزن، والرؤية المستقبلية.