سيناريوهات أسعار النفط في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية

د. احمد هذال/ اكاديمي ومتخصص بشؤون المالية العامة
في موازنة العام 2023، تم التخطيط على أساس تصدير 3.5 مليون برميل يوميًا (بما في ذلك 400 ألف برميل من إقليم كردستان) وبسعر 70 دولاراً للبرميل وسعر صرف 1300 دينار للدولار، وفي ضوء هذا السيناريو المعتمد لموازنة عام 2025، قُدِّرت الإيرادات النفطية بـ117.252 ترليون دينار (تشكل 87% من إجمالي الإيرادات العامة)، بينما تقدير الإيرادات غير النفطية 17.219 ترليون دينار (13%)، ليصل مجموع الإيرادات الكلية إلى 134.522 ترليون دينار، مقابل نفقات كلية تُقدر بـ199.022 ترليون دينار لثلاث سنوات تم التعديل عليها للعامين 2025-2026، منها 133.221 ترليون دينار نفقات جارية (حوالي 70%) و49.462 ترليون دينار نفقات استثمارية (لم يُنفذ فعليًا في عام 2023 سوى 26% منها) بسبب تأخر اقرار الموازنة، في حين قدر العجز 64.5 ترليون دينار يُغطى من خلال رصيد مدور بقيمة 23 ترليون دينار وقروض داخلية وخارجية قدرها 41.7 ترليون دينار، مع الإشارة إلى أن خصم حوالات الخزينة لدى البنك المركزي بمقدار 23.5 ترليون دينار يُعد تمويلًا نقديًا مباشراً يؤدي إلى إصدار نقدي جديد، ما يُسهم في التضخم، ويُقلل من الاحتياطي بسبب ضغط الاستيرادات الاستهلاكية، كما يرفع من الدين على وزارة المالية لصالح البنك المركزي.
سيناريوهات بديلة:
يمكن تحليل تأثير تغير أسعار النفط ضمن ثلاث سيناريوهات (50، 60، 70 دولاراً) على العجز، الإيرادات، النفقات، والاستثمار الحكومي، وربط ذلك بتأخر إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب وانعكاساته على استدامة المالية العامة في 2026، في ظل انتهاء الدورة التشريعية وصعوبة تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات تشرين الثاني.
اولاً: سيناريوهات أسعار النفط وتأثيرها
1-سيناريو 70 دولاراً (السيناريو التاريخي 2023)
-إيرادات النفط اليومية: 3.5 مليون برميل × 70 دولار = 245 مليون دولار
سنويًا: 245 × 365 × 1300 = نحو 117 ترليون دينار
-خطورة في التنبؤ بالاضافة الى الاعتماد على التمويل تضخمي، مع خطر هيكلي في النفقات الجارية العالية التي تستنزف الموازنة دون قيمة مضافة اقتصادية.
2-سيناريو 60 دولاراً للبرميل
-انخفاض الإيرادات النفطية السنوية بنحو 5.5 ترليون دينار.
-العجز الجديد: يقترب من 70 ترليون دينار
-ضغط أكبر على الاقتراض الداخلي، وتوسع خطير في خصم حوالات الخزينة، ما يرفع التضخم ويضعف الدينار.
3-سيناريو 50 دولاراً للبرميل
-انخفاض الإيرادات النفطية السنوية بنحو 11 ترليون دينار
-العجز يتجاوز 76 ترليون دينار.
-الاستدامة المالية تصبح مهددة كليًا، خصوصًا أن 70% من النفقات هي نفقات جارية ثابتة (رواتب، دعم، إعانات) لا يمكن تقليصها بسهولة.
-يتعذر تمويل الاستثمار، ويُعاد توجيه الإنفاق إلى تغطية الفجوة التشغيلية.
ثانياً: الآثار السياسية والاقتصادية لتأخر إقرار الموازنة
-عدم إرسال الجداول التفصيلية للموازنة إلى البرلمان حتى الآن، في ظل اقتراب نهاية الدورة التشريعية، يجعل من الصعب إجراء تعديلات على هيكل الموازنة أو إعادة توجيه النفقات.
-إذا تأخر إقرار الجداول، فإن الصرف سيكون على أساس 1/12 من موازنة 2025، ما يعني تجميد أي إنفاق استثماري جديد.
-الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني 2025 ستنتج عنها حكومة جديدة لن تتشكل قبل منتصف 2026 على الأرجح، ما يعني أن العام المالي المقبل سيُدار بدون رؤية اقتصادية واضحة، بل وفق قرارات تصريف أعمال.
-الفراغ التشريعي والتنفيذي في 2026 سيؤدي إلى تراكم المديونية، وارتفاع خدمة الدين، وتآكل احتياطي العملة الأجنبية، خصوصًا إذا بقيت أسعار النفط دون السعر المعتمد (70$).
ثالثاً: تقييم المادة (64) والمادة ثانياً/2-ب
-المادة 64: تستثني فقط سنة 2025 من قيد العجز المقرر في قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، وهو ما يعني أن أي عجز في 2026 أو ما بعده (بسبب انخفاض أسعار النفط مثلًا) لن يُستثنى، ما يعيد القيود القانونية على سقف العجز ويحدّ من قدرة الحكومة القادمة على المناورة.
-المادة ثانياً/2-ب: تمثل الخطر الأكبر في الموازنة؛ إذ تُتيح خصم حوالات الخزينة لدى البنك المركزي (23.5 ترليون) وهو ما يعني تحويل دين حكومي إلى نقد متداول قبل استحقاقه، أي توسع نقدي تضخمي صريح، يُفاقم أزمات الاقتصاد ويزيد الدين الداخلي.
إذا استمرت أسعار النفط بالانخفاض إلى 60 أو 50 دولاراً، فالعجز سيتضخم، ومع ارتفاع النفقات الجارية (70%) على هيكل الموازنة، سيكون من شبه المستحيل إجراء أي تخفيض مؤثر دون مساس بالرواتب والدعم الاجتماعي، وهو ما سيؤدي إلى اعتماد أكبر على أدوات الدين وخاصة النقدي (حوالات البنك المركزي)، وبالتالي من الممكن ان يتأثر كل من المتغيرات الآتية:
1-زيادة التضخم.
2-تآكل الاحتياطي النقدي.
3-تصاعد الدين الداخلي.
4-ركود استثماري وتوقف مشاريع البنى التحتية.
5-صعوبة تسيير موازنة 2026 دون إصلاحات جوهرية.
وفي ضوء ما تقدم، تبرز الحاجة الماسة إلى ضغط وترشيد الانفاق وتنمية الإيرادات غير النفطية كمحور أساسي لتحقيق الاستدامة المالية وتقليل الاعتماد على المورد النفطي، وذلك من خلال تبني أساليب حديثة في جباية وتحصيل الإيرادات وتوسيع القاعدة الضريبية بعدالة وتحسين كفاءة التحصيل، فضلاً عن تفعيل دور القطاع الخاص وتمكينه كشريك حيوي في النشاط الاقتصادي، إلى جانب دعم قطاعات الصناعة والزراعة وتطوير الصناعات المعوضة التي تسهم في تقليص الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي، بما يعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات الخارجية وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.