العراق بين تصعيد ترامب وعناد إيران

بقلم/ محمد عبيد حمادي 

منذ سنوات، يشكل العراق ساحة للصراع الإقليمي والدولي، لكن مع صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة وتصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، بات المشهد أكثر تعقيدًا. فالعراق، بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته التاريخية مع كل من الولايات المتحدة وإيران، وجد نفسه في قلب المواجهة، حيث استخدمت أراضيه كمسرح لتبادل الرسائل السياسية والعسكرية بين الجانبين.

                                                                           

بدأ التصعيد الأمريكي مع سياسة الضغط القصوى التي انتهجها ترامب تجاه إيران، والتي شملت فرض عقوبات اقتصادية خانقة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015. في المقابل، ردت طهران بتعزيز نفوذها في العراق عبر فصائل مسلحة موالية لها، مما أدى إلى تصاعد الهجمات على المصالح الأمريكية هناك. بلغ التوتر ذروته مع اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أمريكية قرب مطار بغداد مطلع عام 2020، وهو الحدث الذي فجّر أزمة كادت تجر المنطقة إلى حرب مفتوحة.

لم يكن العراق مجرد متفرج في هذا الصراع، بل وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة الضغوط الأمريكية وسندان النفوذ الإيراني. فبينما طالبت واشنطن الحكومة العراقية باتخاذ موقف أكثر حزمًا ضد الفصائل الموالية لطهران، كانت إيران تضغط بدورها لمنع أي تقارب عراقي مع الولايات المتحدة. هذا الوضع وضع القادة العراقيين في موقف حرج، حيث اضطروا إلى الموازنة بين العلاقات مع الجانبين لتفادي الانزلاق في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

من جانب آخر، لعب الشارع العراقي دورًا مهمًا في هذا المشهد، إذ شهدت البلاد احتجاجات واسعة ضد الفساد والتدخلات الخارجية، سواء من إيران أو الولايات المتحدة. ورغم أن بعض القوى السياسية حاولت استغلال هذه التظاهرات لخدمة أجنداتها، إلا أن الصوت الشعبي كان واضحًا في رفض أن يكون العراق ساحة لصراعات الآخرين.

مع مرور الوقت، هدأت حدة التوترات إلى حد ما، خاصة بعد انتهاء ولاية ترامب ووصول إدارة جديدة بقيادة جو بايدن، التي انتهجت مقاربة مختلفة مع إيران، قائمة على العودة إلى المفاوضات النووية ومحاولة تقليل التصعيد. لكن رغم ذلك، لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة، إذ لم تتراجع الهجمات على المصالح الأمريكية بالكامل، ولا يزال النفوذ الإيراني حاضرًا بقوة في المشهد السياسي والأمني.

في النهاية، يظل العراق في وضع حساس، حيث يحاول الحفاظ على استقلالية قراره السياسي وسط تجاذبات إقليمية ودولية لا تتوقف. وبينما تتغير السياسات في واشنطن وطهران، يبقى التحدي الأكبر أمام بغداد هو كيفية حماية سيادتها ومنع أن يكون ترابها مسرحًا لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار