إيلون ماسك في طهران.. مناورة استراتيجية بين الاقتصاد والسياسة

بقلم/ خالد الغريباوي
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد تلجأ إدارته إلى أساليب غير تقليدية في التعامل مع إيران، خصوصًا في ظل موقف المرشد الأعلى المتشدد من أي تفاوض مباشر مع واشنطن. من هنا، تبرز فرضية إرسال شخصية اقتصادية ذات نفوذ عالمي مثل إيلون ماسك إلى طهران كمبعوث غير رسمي، يحمل في جعبته أجندة اقتصادية بمضمون سياسي غير معلن، مما قد يُتيح للإدارة الأمريكية فتح قنوات حوار جديدة مع إيران دون المساس بالمبادئ الصارمة للمرشد الأعلى.
تعد إيران دولة ذات نظام سياسي شديد التعقيد، حيث يُشكّل المرشد الأعلى السلطة المطلقة في القرارات الاستراتيجية. ولأن النهج السياسي الإيراني يقوم على رفض أي تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، فإن إرسال شخصية اقتصادية بحجم ماسك إلى طهران قد يكون خطوة ذكية من ترامب، إذ يسمح لإيران بقبول الحوار دون أن يظهر ذلك على أنه تنازل سياسي.
من جانب آخر، تُدرك الإدارة الأمريكية أن إيران تعاني من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات والضغوط الداخلية، وهو ما يجعلها أكثر تقبلاً لأي مبادرات ذات طابع اقتصادي يمكن أن تُخفف من وطأة هذه الأزمة دون المساس بموقفها السياسي المتشدد.
لماذا إيلون ماسك؟
تُعد شخصية إيلون ماسك خيارًا استراتيجيًا مناسبًا لهذه المهمة لعدة أسباب. فهو يُعتبر الذراع الاقتصادية الأقوى لترامب، ويتمتع بنفوذ عالمي في قطاع التكنولوجيا والاستثمار من خلال شركاته الكبرى مثل “تسلا”، “سبيس إكس”، و”ستارلينك”. كما أن عدم ارتباطه المباشر بالسياسة يجعله وسيطًا مقبولًا، حيث يمكن تقديم زيارته على أنها مبادرة اقتصادية بحتة دون أبعاد سياسية مباشرة، مما يُجنب إيران الحرج داخليًا وخارجيًا.
قد يكون لهذه الزيارة عدة أبعاد استراتيجية تصب في مصلحة الطرفين، فمن الجانب الإيراني، قد تُستخدم الزيارة كدليل على أن إيران ليست دولة معزولة، وأن الشركات العالمية الكبرى لا تزال ترى في اقتصادها فرصة استثمارية قابلة للاستغلال، مما قد يساعد في كسر جزء من العزلة الدولية المفروضة عليها دون أن يُنظر إليها على أنها تنازل سياسي مباشر.
توقيت الزيارة قد يُسهم في تخفيف الضغوط الداخلية التي تواجهها القيادة الإيرانية، خاصة في ظل الاحتجاجات والأزمة الاقتصادية المتفاقمة. توقيع صفقات مع شخصية بحجم ماسك قد يُستخدم كرسالة تهدئة للشعب، خصوصًا بين الشباب الذين يرون في التكنولوجيا والاستثمار أملًا جديدًا.
من جهة أخرى، تُعاني إيران من انقسام داخلي بين التيار المحافظ المتشدد، الذي يسعى إلى تقليل التفاعل مع الغرب، والتيار الإصلاحي، الذي يسعى للانفتاح على العالم وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. في هذا السياق، قد تُوفر زيارة ماسك فرصة للمرشد الأعلى لإعادة ضبط التوازن بين التيارين، حيث يمكنه تقديمها على أنها خطوة اقتصادية بحتة لا تمس بالموقف السياسي الإيراني تجاه الولايات المتحدة.
على المستوى الدبلوماسي، قد تكون الزيارة أداة أمريكية لاختبار مدى استعداد إيران لفتح قنوات اتصال غير رسمية، مما يسمح للبيت الأبيض بقياس مدى تجاوب القيادة الإيرانية دون الحاجة إلى كسر المواقف العلنية الرافضة للتفاوض المباشر.
إذا حدثت زيارة إيلون ماسك إلى طهران، فستكون حدثًا استثنائيًا يحمل أبعادًا استراتيجية معقدة، حيث ستجمع بين المصالح الاقتصادية والتكتيكات الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن ظاهرها سيكون اقتصاديًا، فإن تأثيرها السياسي سيعتمد على مدى نجاحها في إعادة تشكيل العلاقة بين طهران وواشنطن دون أن تفقد القيادة الإيرانية ماء وجهها.
وفي ظل التحولات السريعة في النظام الدولي، فإن هذه الزيارة قد تكون نقطة تحول غير متوقعة في موازين القوى الإقليمية والدولية، وربما تُمهّد الطريق لأساليب تفاوض جديدة لا تعتمد على الدبلوماسية التقليدية، بل على الأدوات الاقتصادية والتكنولوجية.
وتبقى الاحتمالات مفتوحة، خصوصًا وأن ترامب يحاول أن يُظهر نفسه كرجل سلام، ويدفع القيادة الإيرانية إلى دائرة الحرج أمام المجتمع الدولي، مما يجعل خيار التفاوض عبر قنوات غير رسمية مثل ماسك، ورقةً يمكن أن تحقق مكاسب للطرفين دون المساس بالمواقف المعلنة.