غزة.. “ريفيرا” الشرق الأوسط!!
بقلم علي عماد|..
مرة أخرى يخرج ترامب بتصريحات جدلية يتجاوز فيها حدود الممكن، فقبل ساعات وأثناء لقائه بنتنياهو اعلن عن رغبة أميركية بامتلاك قطاع غزة وعن تهجير جزء من الغزيين إلى قطعة ارض جميلة على حد وصفه في الأردن او مصر او دول أخرى، لا بل انه ذهب إلى ابعد من ذلك، وقال انه سيعطي موقفه من سيادة اسرائيل على الضفة الغربية خلال 4 أسابيع.
ماذا تعني رؤية ترامب؟
ببساطة هي رغبة واضحة بخفض عدد سكان غزة، البالغ عددهم اكثر من ٢ مليون شخص، (الحرب الأخيرة خفضت عدد سكان غزة بنسبة ٦ ٪ حسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء) إلى جانب ٣.٤ مليون فلسطيني في الضفة الغربية.
وهذه الرغبة الاميركية التي تعبر عن قلق اسرائيلي من اعداد الفلسطينيين المتنامية ليس وليدة ترامب، ففي فترة حكم سلفه بايدن تم تمويل برنامج ب ٥٠ مليون دولار لشراء واقيات ذكرية للغزيين (تم إيقاف التمويل بأمر من ترامب قبل أيام).
تحويل غزة إلى منطقة سياحية شبيهة بـ”الريفيرا الفرنسية”، من خلال استثمارات ضخمة وإعادة الإعمار، ولكن هل هذه الفكرة
قابلة للتنفيذ؟!!
تبدو فكرة مجنونة إذا ما نظرنا إلى الدمار الهائل في غزة: بعد الحرب الأخيرة، مع غياب الاستقرار الأمني والسياسي (لا يمكن لأي استثمار أو تنمية أن تزدهر دون حل جذري للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر لم يطرحه ترامب بشكل جاد)، وهناك كذلك الرفض الفلسطيني لأي مشاريع دون سيادة وطنية (الفلسطينيون يرفضون الحلول الاقتصادية التي تتجاهل حقوقهم السياسية، مثل إقامة دولة مستقلة أو إنهاء الاحتلال)، إلى جانب الموقف الإسرائيلي المتشدد (الحكومة الإسرائيلية الحالية غير معنية بتحويل غزة إلى منطقة مزدهرة، بل تركز على فرض قيود أمنية مشددة، مما يجعل أي مشاريع تنموية صعبة التنفيذ).
ما هو الموقف العربي من رؤية ترامب؟
فبعد الرفض الأردني والمصري، قالت الخارجية السعودية اليوم: لا علاقات دبلوماسية مع اسرائيل دون قيام دولة فلسطينية، ونجدد الرفض القاطع للاستيطان وضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين.
بعد كل ماتقدم نستطيع القول ان الفكرة الترامبوية المصحوبة بجرعات مرتفعة من العنجهية ليست مستحيلة نظريا، لكنها غير واقعية في ظل الظروف الحالية، لأن التنمية تحتاج إلى استقرار سياسي، وليس فقط استثمارات اقتصادية. إذا لم يكن هناك حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن أي مشاريع اقتصادية لن تحقق سلامًا حقيقيًا أو تغييرًا دائمًا.
يبقى هناك سؤال ربما هو الأهم؛ هل ترامب يتحدث عن غزة والضفة الغربية فقط ام هو يتحدث ضمنا عن شرق اوسط جديد؟ وماهو هذا الشرق الجديد الذي نسمع عنه كثيرا منذ اشهر؟
بعد مرور قرن على اتفاقيات سايكس بيكو (1916) ووعد بلفور (1917) ومعاهدة فرساي (1919) ومعاهدة لوزان (1923) من الواضح أن الشرق الأوسط يمر بإعادة تشكيل خرائط النفوذ السياسية والاقتصادية والجيوسياسية، لكن هل يعني ذلك شرقًا أوسط جديدًا كليًا؟
ليس بالضرورة عبر خرائط رسمية جديدة، ولكن عبر نفوذ غير مرئي يتشكل بفعل القوة الاقتصادية والعسكرية والاصطفافات السياسية. التغييرات لا تأتي من اتفاقيات سرية مثل سايكس بيكو، بل عبر صراعات مفتوحة وواقع جيوسياسي.
فنحن أمام تحولات كبرى قد تؤدي إلى “شرق أوسط جديد”، ليس بالضرورة وفق نموذج “سايكس بيكو 2.0” بل من خلال نفوذ إقليمي متداخل، وأدوار اقتصادية جديدة، وصراعات مفتوحة تعيد رسم ملامح المنطقة للقرن القادم.