جمال الضاري يرفض تسميات الـ “بيوتات طائفية”.. خيوط الإرث مع خرائط الطموحات الوطنية

لا للـ"بيت الشيعي" و "البيت السني"

خاص|

في أجواء سياسية تتسم بالتحديات، برز الشيخ جمال الضاري كواحد من الأسماء التي تمزج بين الخلفية العشائرية المتأصلة والطموحات السياسية المستندة إلى رؤية وطنية.

وُلد في منطقة أبو غريب، في بيئة عشائرية تقليدية، شكلت أسس شخصيته ومواقفه السياسية لاحقًا، ومع كل ما يحيط به من صراعات سياسية، يمثل الضاري نموذجًا للسعي إلى بناء توازن بين الهوية العشائرية والسياسة الحديثة.

دخل الضاري عالم السياسة بعد سنوات طويلة من العمل في بيئة متقلبة، فقد انطلق من مسار عسكري انخرط فيه في الثمانينيات ضمن الجيش العراقي، حيث عاش أهوال الحرب العراقية-الإيرانية، لكنه واجه مصاعب سياسية أدت إلى اعتقاله في نهاية ذلك العقد.

 

محطات صعبة

بعد الإفراج عنه عام 1990، عاد الضاري إلى حياته المهنية، حيث استثمر في التجارة والزراعة، متأقلمًا مع أجواء الحصار الذي خنق العراق بعد حرب الكويت، وكانت هذه السنوات بمثابة بوابة لدخوله إلى عوالم السياسة والمجتمع، حيث بدأ يعايش المعاناة اليومية التي خلفتها العقوبات الدولية.

بعد عام 2003، ومع الاحتلال الأمريكي للعراق، قرر الضاري أن يسلك طريق السياسة، مستندًا إلى علاقاته العشائرية وشبكة من التحالفات.

في عام 2014، أسس الضاري منظمة “سفراء السلام من أجل العراق” في لاتفيا، وهي منظمة تهدف إلى عرض معاناة الشعب العراقي في المحافل الدولية، ومن خلال هذه المنظمة، سعى الضاري إلى بناء جسور مع المجتمع الدولي، مؤكدًا على أهمية تحقيق سلام شامل يُنهي دوامة العنف التي استنزفت العراق لعقود.

كما استثمر جهوده في تنظيم المؤتمرات والاجتماعات في مختلف العواصم الأوروبية والشرق أوسطية، والتقى بصناع القرار السياسي والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو، ليعرض رؤيته حول مكافحة الإرهاب ومعالجة جذور الأزمات العراقية.

وفي عام 2015، تبنى الضاري مبادرة لإقامة ندوة عسكرية جمعت ضباط الجيش العراقي السابق، سعيًا للحفاظ على تاريخ هذه المؤسسة وتأسيس مركز دراسات عسكرية، كما عمل على تعزيز علاقاته مع مراكز دراسات وأعضاء الكونغرس الأمريكي من كلا الحزبين، لتقديم رؤية شاملة لحل الأزمة العراقية، تهدف إلى القضاء على الإرهاب والفساد، وبناء دولة مدنية بعيدة عن الطائفية.

اقتحام السياسة

وفي عام 2016، أسس “المشروع الوطني العراقي”، وهو كيان سياسي سعى من خلاله إلى تقديم بديل عن الطائفية السياسية والمحاصصة. المشروع، رغم صغر تمثيله بمقعدين فقط في الدورة الحالية، أصبح نقطة انطلاق للضاري لتعزيز نفوذه السياسي.

ويعارض الضاري تقسيم الهوية العراقية مثل “البيت السني” و”البيت الشيعي”، معتبرًا أنها مصطلحات سياسية دخيلة تم فرضها بعد عام 2003، ويشير إلى أن هذه المفاهيم هي “تفصيل أمريكي”، في إشارة إلى نظام المحاصصة الذي تم وضعه في زمن الحاكم المدني بول بريمر.

يقول الضاري: “هذه التسميات معيبه بحقنا كعراقيين، لأنها تُبعدنا عن هويتنا الوطنية وتكرس الانقسام بيننا.”

يرى الضاري أن العراق يحتاج إلى حوار وطني حقيقي يشمل جميع الأطراف السياسية، وليس فقط حوارًا يركز على التقسيمات الطائفية ويصف الطبقة السياسية التي تدير البلاد بأنها قلقة من مغادرة هذه المنظومة لأنها تخدم مصالحها، لذلك، يدعو إلى إشراك النقابات ومنظمات المجتمع المدني في أي عملية سياسية لإصلاح النظام السياسي.

 

التقارب مع الحلبوسي

ويظهر الضاري تقاربًا مع رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، ويسعى إلى توحيد البيت السني، لكنه يؤكد أن المشاكل بين القيادات السياسية السنية تعرقل أي محاولات حقيقية للوحدة.

وأحد أبرز الملفات التي تهم الضاري هو ملف النازحين، الذي يرى أنه يمثل “جراحًا مفتوحًا” في جسد العراق، ويعتبر أن الحكومات المتعاقبة لم تقدم حلولاً حقيقية لهذه القضية، بل يعتقد أن “النازحين أصبحوا ورقة انتخابية يتم استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية دون النظر إلى معاناتهم الحقيقية”.

على الرغم من كل التحديات، يظهر الضاري كمؤمن بإمكانية تحقيق التغيير من خلال الحوار وبناء جسور الثقة بين مكونات الشعب العراقي، ويؤكد دائمًا أن العرب، سواء كانوا سنة أو شيعة، لديهم مسؤولية تاريخية في تجاوز الانقسامات والعمل معًا من أجل مصلحة العراق. يقول الضاري: “علينا أن نتجاوز التقسيمات الطائفية والعرقية، ونعود إلى قيمنا المشتركة التي تجمعنا كعرب”. كما يرى أن الحوار مع القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك القوى الشيعية، هو أمر ضروري لبناء الثقة وتحقيق استقرار سياسي دائم.

وفي مقابلة متلفزة، تحدث الضاري عن دوره في تعزيز العلاقات العراقية مع الدول الأوروبية، مشيرًا إلى مؤتمر باريس عام 2016 كمثال على الجهود الدولية التي بذلها المشروع الوطني العراقي.

وأوضح أن المؤتمر كان محاولة لإطلاق حوار وطني بغطاء دولي، وأنه دعا فيه إلى “تعويض الشعب العراقي عن الدمار الذي سببه الاحتلال الأمريكي”.

ويسعى الضاري من خلال نشاطاته إلى تسليط الضوء على التحديات التي يمر بها العراق، حيث عقد اجتماعات مهمة خلال الايام الماضية في “خان ضاري” الذي أصبح رمزًا يجسد التاريخ والمستقبل معًا، ليكون هذا المكان ليس مجرد معلم تاريخي، بل بوصلة تجمع السياسيين، وشيوخ العشائر، والمفكرين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار