تقرير يتناول حشو المناصب الدبلوماسية العراقية.. بين صراع الأحزاب والمحاصصة

تناول تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية تفاصيل الصراع المحتدم بين الأحزاب والحكومة العراقية، وخصوصًا داخل وزارة الخارجية، بشأن المناصب الشاغرة في السلك الدبلوماسي، الذي يعتبر من أكثر المجالات جذبًا للقوى السياسية النافذة نظرًا لما يوفره من امتيازات مادية ومعنوية بارزة.

وتاليًا نص التقرير: 

يدور صراع شرس داخل كواليس الأحزاب والحكومة العراقية وخصوصا وزارة الخارجية على العشرات من المناصب الشاغرة في الجهاز الدبلوماسي للدولة الذي تتميّز مناصبه بجاذبية خاصّة للأحزاب المتنفّذة نظرا لما توفّره من امتيازات كبيرة مادية ومعنوية لمن يشغلها، خصوصا حين يتعلّق الأمر بمنصب السفير ومساعديه من أعضاء البعثات إلى خارج البلاد.

وحدّدت مصادر سياسية عدد المناصب الشاغرة حاليا في السلك الدبلوماسي العراقي بحوالي تسعين منصبا من مختلف الدرجات بما في ذلك مناصب سفراء لم يتسن سدّ شغورها بسبب الصراعات بين قوى متكافئة في السلطة والنفوذ بحيث لم يستطع أي منها حسم المعركة الدائرة بعيدا عن الأضواء لمصلحته.

وقال أحد المصادر لوسائل إعلام محلية إنّ وزارة الخارجية تحتاج الى سفراء جدد لسد الشغور المترتّب على انتهاء مدّة عمل بعض السفراء المحدّدة بأربع سنوات وإحالة البعض إلى التقاعد ووفاة آخرين.

وأكّد مصدر ثان أن محاولات كثيرة بذلتها جهات حزبية وحكومية لردم هوة الخلافات بشأن توزيع تلك المناصب بين القوى المطالبة بها دون جدوى، موضّحا أن اجتماعات كثيرة عقدت بين ممثّلي قوى سياسية من مختلف الطوائف والأعراق انتهى معظمها بمشادات كلامية توسّعت خلالها النقاشات لتشمل عملية توزيع الحصص في مواقع أخرى بالدولة وحتّى داخل مجالس المحافظات، حيث برزت مطالبة بعض الأحزاب والفصائل المسلّحة بمناصب معيّنة في السلك الدبلوماسي تعويضا عما تعتبره نقصا في حصصها داخل وزارات وإدارات حكومية ومجالس محافظات.

وقال إنّ محاولة لسدّ الشغورات في المناصب الدبلوماسية جرت باعتماد آلية تقوم على تعيين خمسين شخصا عن طريق التقييم والاختبارات من قبل وزارة الخارجية، على أن يتم تعيين الأربعين الباقين عن طريق الترشيح من قبل الأحزاب، لكنّ المحاولة فشلت حيث سرعان ما تبين أنّ الأحزاب هي في الأخير من تتحكّم في العملية بما في ذلك تعيين القسم الأوّل؛ وذلك باستخدام أذرعها داخل الوزارة المذكورة أو داخل الحكومة على وجه العموم.

وزاد من تعقيد العملية أن تعيين قياديين في السلك الدبلوماسي يتطلّب مصادقة مجلس الوزراء ومجلس النواب على المرشّحين، فيما البرلمان الحالي في حالة شلل وعجز عن ممارسة أعماله بما في ذلك سنّ التشريعات والقوانين بسبب تعذّر تحقيق التوافق بين القوى الممثلة تحت قبّته الأمر الذي حال إلى حدّ الآن دون إقرار قوانين مطروحة للنقاش منذ مدّة طويلة مثل قانون الأحوال الشخصية والعفو العام وإعادة الأراضي المنتزعة إلى أصحابها.

وفي محاولة لتأطير عملية المحاصصة للمناصب القيادية في الدبلوماسية العراقية وتقنينها جرى وضع آلية للتعيين في هذا السلك تقتضي أن يتمّ اختيار السفراء بنسبة خمسة وسبعين في المئة من المتدرّجين في العمل الدبلوماسي من داخل وزارة الخارجية على أن يشمل ذلك الكوادر المتدرّجة في الترقيات التي تبدأ من ملحق وتنتهي بمرتبة وزير مفوّض.

وفي مقابل ذلك تخصّص خمسة وعشرون في المئة من تلك المناصب للأحزاب السياسية التي يتعيّن عليها (نظريا) ترشيح شخصيات تابعة لها وفقا لمعايير يتعلق بعضها بالشهادة العلمية والتحصيل الأكاديمي.

ولم يحدث أن تمّ الالتزام بحَرفية هذه الآلية وكثيرا ما تم تجاوزها والقفز عليها رغم أنّها معيبة لأنها في المحصّلة تمنح الأحزاب صلاحية التعيين بالكامل سواء جرت العملية في إطار وزارة الخارجية الخاضعة أصلا مثل باقي الوزارات ومؤسسات الدولة للأحزاب عينها، أو خارجها.

وعلى صعيد عملي أثبتت نفس الآلية عجزها عن حسم الصراعات بين القوى المتصارعة على مواقع الجهاز الدبلوماسي ومناصبه بدليل الصراع الدائر حاليا والمكّرس للشغور داخل الجهاز.

أما على صعيد النتائج فقد أفضت طريقة الاختيار والتعيين إلى حشو الدبلوماسية العراقية بعدد كبير من المسؤولين والموظفين غير الأكفاء (مع وجود استثناءات) بما انعكس سلبا على تسيير وإدارة البعثات الدبلوماسية العراقية حيث لا تنفك تتفجّر فضائح فساد وسوء إدارة داخل سفارات البلد في الخارج.

وكانت حكومة رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني قد شرعت في محاولة سدّ الشغورات في المناصب الدبلوماسية، حيث تم الكشف في سبتمبر الماضي عن تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الخارجية ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب للنظر في قائمة المرشحين لتولي مناصب السفراء.

ودار الحديث آنذاك حول البدء بترشيح الأشخاص المؤهلين للتعيين كسفراء والشروع في تدقيق الأسماء ومدى أهليتها لشغل تلك المناصب، دون أن يتمّ منذ ذلك الحين أي إعلان عن التوصّل إلى اختيار أشخاص بعينهم والشروع في إجراءات تعيينهم، الأمر الذي كشف عن حدّة الخلافات والصراعات الدائرة حول المسألة.

وعلى مدى السنوات المنقضية من عمر تجربة الحكم التي قامت في العراق إثر الغزو الأميركي له، تحولت المناصب في السلك الدبلوماسي العراقي إلى أهم الجوائز والمكافآت التي تسعى الأحزاب والفصائل المتحكمة في المشهد السياسي بالبلد للحصول عليها وإسنادها لأعضائها وأفراد أسرهم والمقربين منهم.

ولا تخرج الدبلوماسية العراقية عن سائر مؤسسات الدولة العراقية التي كثيرا ما تسببت الخلافات والصراعات على مناصبها بصعوبات في تشكيلها وأفضت إلى تأخير في ذلك قد يطول مداه، وهو ما حدث في تشكيل حكومة السوداني بحدّ ذاتها، وتكرّر مع عملية تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات إثر الانتخابات التي أجريت في ديسمبر من العام الماضي وهي عملية استغرقت عدّة أشهر وأفضت في الأخير إلى تشكيل بعض الحكومات غير المستقرة التي لم ينته الصراع على مناصبها إلى حدّ الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار